العالم العربي: تقرير حول التنمية الإنسانية سنة 2009
ويعد التقرير، الذي صدر في ثلاثمائة صفحة، هو المجلد الخامس من سلسلة تقارير التنمية الإنسانية العربية، التي يرعاها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويضعها عدد من المثقفين والباحثين في البلدان العربية. وانتقد التقرير أوضاع حقوق الإنسان في البلاد العربية، وعلاقة الدولة فيها بالمواطن وأمنه وحقوقه، وغياب الدولة المدنية.
وأشار التقرير بصورة لافتة إلى "الخلل" البنيوي في الاقتصادات العربية، بما في ذلك الدول النفطية، وأكد أن "الثروة النفطية الخيالية لدى البلدان العربية تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان، لأنها تخفي مواطن الضعف البنيوي في العديد من الاقتصادات العربية، وما ينجم عنها من زعزعة في الأمن الاقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء".
وأشار التقرير إلى عوامل عدة أدت إلى "خلل" بنيوي في كثير من الاقتصادات العربية، أبرزها مشكلات القصور الغذائي، والافتقار إلى الوسائل اللازمة لشراء كميات كافية من الطعام للاحتياجات اليومية.
كما أشار التقرير، الذي جاء تحت شعار "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية"، إلى انتشار الفقر، والجهل، والمرض، والبطالة، واللامساواة بين الجنسين في العالم العربي.
وذكر أن الدول العربية تكاد تتوحد وإن بدرجات متفاوتة في "التقصير" في ما تقدمه الدولة لتأمين أمن الإنسان (المواطن)، رغم الالتزامات الدستورية والدولية في هذه البلدان.
وخلص التقرير، في باب "الدولة العربية وأمن الإنسان"، إلى أن أداء الدول العربية في توفير الأمن لمواطنيها تشوبه تأثيرات سلبية، وثمة "فجوة واسعة" بين التزام أغلبها بمعاهدات دولية ونصوص دساتيرها باحترام حقوق الإنسان، والعدالة، والمساواة أمام القانون، والحق في المحاكمة العادلة، وبين الواقع على الأرض.
ورغم أن التقرير أشاد بانضمام عشر دول عربية، بينها الأردن، إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان، فإنه أكد أن ذلك لا يعني أن هذه الدول "أكثر احتراما لحقوق الإنسان من تلك التي لم تفعل، غير أن الانضمام للاتفاقية دليل على قبول الدولة بدرجة من المساءلة أمام العالم".
وحول الأحزاب، أشار التقرير إلى تباين مواقف الدول العربية إزاء الحق في تشكيلها. فهناك ست دول، حسب التقرير، ما زالت تحظر، من حيث المبدأ، الأحزاب، هي الإمارات، والسعودية، وعمان، وقطر، والكويت، وليبيا. في حين اعتبر التقرير أن أغلب الدول العربية تواصل ممارسة درجات ملموسة ومتفاوتة من التقييد على تأسيس الأحزاب وعملها. لا سيما أحزاب المعارضة، مسجلا "توسع هامش الحرية السياسية، نسبيا، في لبنان والمغرب حاليا".
ونبه التقرير إلى أن "التهديد الأكثر جدية لأمن المواطن في بعض الدول العربية هو في أن السياق الذي تجري فيه مكافحة الإرهاب يعطي الدولة الذرائع لانتهاك الحقوق والحريات الفردية، دون الاحتكام إلى القانون".
وأشار التقرير إلى أن معظم الدول العربية أصدرت قوانين لمكافحة الإرهاب، تستخدم تعريفات فضفاضة وغير محددة لمفهوم الإرهاب، منحت من خلالها الأجهزة الحكومية صلاحيات واسعة لمعالجة جرائم الإرهاب، ما يشكل تهديدا للحريات الأساسية.
واستند التقرير إلى تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، يشير إلى أن 11 دولة عربية بينها الأردن قيدت حريات المواطنين فيها عن طريق الاحتجاز من دون اللجوء إلى القضاء.
وحول معيار استقلال القضاء، اعتبر التقرير أن المخاطر التي تهدد استقلال القضاء في الوطن العربي تأتي من السلطة التنفيذية، إذ تعاني المؤسسات القضائية العربية جميعها بشكل أو بآخر من ممارسة تنتقص من استقلالها، جراء هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية.
ولفت التقرير إلى أن قليلا من العرب يشعرون أن بوسعهم، وبصفتهم الفردية كمواطنين، أن يغيروا الأوضاع الراهنة في بلدانهم عن طريق آليات المشاركة السياسية، ويتضح ذلك من انخفاض مستوى المشاركة السياسية في البلدان العربية الأكثر استقرارا.
ورأى التقرير أن الإصلاح من الداخل "يظل السبيل الوحيد الأمثل لتحقيق الأمن ذي الأبعاد والجوانب المتكاملة في البلدان العربية، بدءا من الحقوق الأساسية للمواطنين"، مقررا أنه "لا يمكن فرض هذا الإصلاح من الخارج، كما لا يمكن استيراد نموذج ديمقراطي جملة وتفصيلا".
البطالة وراء انعدام الأمن الاقتصادي في العالم العربي
ورد في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لسنة 2009، أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، مشيرا إلى أن البطالة تعد من المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية.
وجاء في التقرير أن معدلات الفقر العام، تتراوح بين 28.6 في المائة و30 في المائة في لبنان وسوريا في حدها الأدنى، ونحو 59.9 في المائة في حدها الأعلى في اليمن، ونحو 41 في المائة في مصر."
وأضاف التقرير، استنادا إلى عينة تمثل 65 في المائة من إجمالي السكان العرب، أنه من المعقول التكهن بأن النسبة الكلية لمعدلات الفقر في مستوى الخط الأعلى ستكون في حدود 39.9 في المائة، وأنه بموجب هذا المقياس يمكن التقدير بوجود 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر".
وجاء في التقرير أن البطالة تعد من "المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية، وحسب بيانات منظمة العمل العربية (2008)، كان المعدل الإجمالي لنسبة البطالة في البلدان العربية 14.4 في المائة من اليد العاملة في سنة 2005، مقارنة بـ 6.3 في المائة على الصعيد العالمي.
أما بالنسبة إلى البلدان العربية ككل (وباستخدام عدد العاطلين عن العمل في العام 2005)، وصل المعدل المثقل لنمو البطالة إلى نحو 1.8 في المائة."
وحسب التقرير، فإن معدلات البطالة المحلية تتفاوت بدرجة ملموسة بين بلد وآخر، "إذ تتراوح بين 2 في المائة في قطر والكويت، ونحو 22 في المائة في موريتانيا، غير أن البطالة في أوساط الشباب تمثل في كل الأحوال تحديا جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية".
وأوضح التقرير أن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان يشيران "إلى أن البلدان العربية ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة، بينما يبلغ معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي ما يقرب من ضعف ما هو عليه في العالم بأسره".
ووفقا لتقرير التنمية البشرية، فإنه "غالبا ما تنعكس البطالة بصورة غير متوازنة على الإناث، إذ أن معدلات البطالة بين النساء في البلدان العربية أعلى منها بين الرجال وهي من المعدلات الأعلى في العالم أجمع"، البطالة تعد من "المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية". وحسب التقرير، فإن معدلات البطالة المحلية تتفاوت بدرجة ملموسة بين بلد وآخر، "إذ تتراوح بين 2 في المائة في قطر والكويت ونحو 22 في المائة في موريتانيا، غير أن البطالة في أوساط الشباب تمثل في كل الأحوال تحديا جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية".
الفقر في الدول العربية
أشارالتقرير إلى أن "الثروة النفطية الخيالية" لدى البلدان العربية تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان، لأنها تخفي مواطن الضعف البنيوي في العديد من الاقتصادات العربية وما ينجم عنها من زعزعة في الأمن الاقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء".
وتحدث التقرير عن مواطن الضعف الاقتصادي العربي، حيث "تشكل الدرجة العالية من التقلب في نمو الاقتصاد العربي دليلا واضحا على ضعف هذا الاقتصاد، وارتباط الأمن الاقتصادي في المنطقة العربية بتقلبات أسواق النفط العالمية، الذي ما يزال رهين تيارات خارجية المنشأ".
وأشار التقرير إلى أن معدلات الفقر العام تتراوح بين 28.6 في المائة و30 في المائة في لبنان في حدها الأدنى، ونحو 59.9 في المائة في حدها الأعلى في اليمن ونحو 41 في المائة في مصر.
وتوقع التقرير، استنادا إلى عينة تمثل 65 في المائة من إجمالي السكان، أن تكون النسبة الكلية لمعدلات الفقر في مستوى الخط الأعلى ضمن حدود 39.9 في المائة، وبموجب هذا المقياس قدر أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر.
وجاء في التقرير أن "البلدان العربية المنتجة للنفط، اختارت وضع قسم كبير من مكاسبها الأخيرة في استثمارات أجنبية واحتياطيات خارجية وصناديق ضامنة لتحقيق الاستقرار النفطي وفي تسديد الديون"، إلى جانب تشغيل استثمارات محلية ضخمة في ميدان العقارات وتكرير النفط. وفي جانب آخر، تطرق التقرير إلى "توجيه بعض البلدان العربية المنتجة للبترول جانبا كبيرا من العائدات إلى القطاعين العسكري والأمني، ما جعل التقرير يخلص إلى أن هذا النمط الجديد من الاستثمار "من شأنه أن يعرض بلدان مجلس التعاون الخليجي على نطاق أوسع من السابق لنوبات الانكماش الاقتصادي العالمي".
واعتبر التقرير أن النمو الاقتصادي المتقلب في الدول العربية "دليل واضح على ضعف الاقتصاد"، خصوصا أن مصدره الرئيسي هو تقلبات أسواق النفط العالمية". معتبرا أن "النمو المرتكز على النفط أسس بنية ضعيفة في الاقتصادات العربية".
وأبرز التقرير ما تواجهه قطاعات واسعة من سكان بلدان الدخل المنخفض حرمانا كبيرا من أبسط الحاجات، مثل عدم الحصول كفاية على المياه الصالحة للشرب وازدياد حالات نقص الوزن بين الأطفال، ورفع مستوى الصحة العامة من خلال توسيع إمكانية الحصول على الرعاية الصحية بكلفة معقولة ونوعية جيدة، مع التركيز على الطب الوقائي، ومواجهة الممارسات السائدة المؤذية لصحّة المرأة، وإطلاق حملات عامة تثقيفية لشرح مرض نقص المناعة المكتسب- السيدا، على أن تكون هذه الحملات واعيةً لحساسية الموضوع وأهميته، مع الحرص على رفع مستوى الفحوص المتعلقة بالمرض وكذلك مستوى المعالجة.
الجوع في الدول العربية
رسم تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 صورة قاتمة لواقع الحال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في المنطقة العربية، مشيرا إلى اتساع دائرة الجوع وتزايد حدته في حالات العنف ضد المرأة، فضلا عن تراجع في مستوى الأمن وتزايد في حالات اللجوء، مبينا الحالة الملحة لمجابهة الفقر وإنهاء الجوع اللذين ينتشران ويمتدان رغم وفرة الموارد المالية في المنطقة العربية ككل.
وأوضح التقرير الجياع في المنطقة العربية، يبلغ عددهم 25.5 مليون شخص، أي نحو 10 في المائة من إجمالي عدد السكان، ويمثل الرقم 3 في المائة فقط من الذين يعانون سوء التغذية من إجمالي سكان العالم.
والغريب، حسب التقرير، أن الدول العربية تتمتع بدرجة من الاكتقاء الذاتي في مجال السلع الغذائية التي يقبل عليها الأغنياء، مثل اللحوم والأسماك والخضر، أكبر منها في المواد الغذائية التي يستهلكها الفقراء مثل الحبوب والشحوم والسكر. ويظل المستوى المتدني للاكتفاء الذاتي من الأغذية الأساسية واحدا من أخطر الفجوات التنموية في المنطقة العربية، حسب ما أكده التقرير.
ويعود هذا المستوى المتدني نسبيا، مقارنة بالمناطق الأخرى، إلى مستويات الدخل العالية في الدول النفطية أو إلى القدرة على شراء الغذاء، التي تعززها تحويلات العاملين في الخارج أو سياسيات التموين، التي تنتهجها الحكومات.
وجاء في التقرير أن 8 ملايين جائع يوجدون في السودان، حيث النزاعات الداخلية، ويليه اليمن الذي يتوفر على 8 ملايين، وهو من البلدان الأقل نموا ويعتمد على استيراد الأغذية.
ومن النقط اللافتة التي تطرق إليها التقرير، أن ثمة شرائح لا تحصل على ما يكفي من الغذاء في بلدان غنية مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت، ومحليا، أكد التقرير أن الأردن كان من بين الدول، التي شهدت ارتفاعا في نسبة الجياع واتساع الفجوة في توزيع الثروات، مؤكدا أن "دولة مثل الأردن تتأثر بشكل بالغ بعوامل خارجية، ولا سيما تذبذب أسعار النفط واحتدام النزاعات في المنطقة". واعتبر التقرير أن من مسببات تجاوز هذه الأزمات، معالجة البنية الضعيفة للاقتصاد العربي المعتمد على النفط، والتوجه نحو اقتصاد أكثر تنوعا مبني على المعرفة وقادر على توليد ما يكفي من فرص العمل. وبالنظر إلى الوتيرة الحالية للنمو السككاني، يتوجب على البلدان العربية أن تولد 50 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020، من أجل استيعاب الحجم المتوقع للقوة العاملة. ويربط التقرير وجود الجوع في الدول العربية إلى تقدير وجود شخص من كل خمسة أشخاص في المنطقة العربية يعيش تحت خط الفقر المعترف به دوليا، المتمثل بدولارين أميركيين في اليوم. أما نسبة الذين يعيشون على أكثر من ذلك بقليل ولا يستطيعون تحمل تكاليف الحاجات الأساسية، فتفوق هذه النسبة بكثير، ومن ثمة، يصح القول، حسب التقرير، إن حوالي خمسي سكان المنطقة العربية يعيشون في ظل الفقر.
وحسب التقرير، تسهم عدة عوامل في مشكلات القصور الغذائي، ومن العوامل المباشرة له، الافتقار إلى الوسائل اللازمة لشراء كميات كافية من الطعام للاحتياجات اليومية، والافتقار إلى الإمدادات الغذائية.
أما العوامل غير المباشرة للجوع في المنطقة العربية، التي تمثل الأسباب والنتائج في آن واحد، الفقر والجهل والمرض والبطالة واللامساواة بين الجنسين، كذلك الأوضاع المناخية الصعبة والكوارث الطبيعية وإخفاق السياسات التنموية وغياب الاستقرار السياسي والنزاع المسلح.
ومن تأثير القصور الغذائي في المنطقة العربية، أنه يلحق الضرر بالصحة والإنتاجية وبالعلاقات مع الآخرين، كما يمثل تهديدا للحياة بما يتجاوز الانتقاص من العمر المتوقع عند الولادة، كما يمكن أن يكون سببا في تنظيم الاحتجاجات، ما يخلق توترا بين الدول أو الكيانات السياسية المتجاورة.
العنف ضد المرأة
ركز التقرير على انعدام الأمن لدى الفئات الضعيفة، لاسيما على صعيد العنف ضد النساء وشرائح اللاجئين والمهجرين، فالعنف ضد النساء، يتراوح بين العنف الجسدي من ضرب واغتصاب وقتل، وبين ممارسات ثقافية واجتماعية تؤذي المرأة مثل تشويه الأعضاء التناسلية وتزويجها قبل سن الرشد.
وتطرق التقرير إلى مسألة العنف ضد النساء، حيث دعا البلدان العربية إلى "سن القوانين الكفيلة بحظر زواج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد أي الثامنة عشرة". كما ركز التقرير على انعدام الأمن لدى الفئات الضعيفة لا سيما المرأة وشرائح اللاجئين والمهجرين.
وأكد التقرير على أن العنف ضد النساء في المنطقة العربية يأخذ طابعا "أسريا وممأسسا" يتراوح بين العنف الجسدي وبعض الممارسات الثقافية والاجتماعية، مشيرا إلى أن فرص النساء في الحصول على العدالة في البلدان العربية منخفضة ومحدودة، وكذلك إمكان حصولهنّ على التعويض حين يَسقطن ضحيّةً للعنف، إلى جانب تزايد انعدام الأمن بالنسبة إلى المرأة تزايدًا حادًا في مناطق النزاع المسلّح.
وتطرق تقرير التنمية البشرية العربية لسنة 2009 إلى مسألة العنف ضد النساء حيث دعا البلدان العربية إلى "سن القوانين الكفيلة بحظر زواج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد أي الثامنة عشرة، إذ ذكر التقرير أن الدراسات تشير إلى أن الزواج المبكر والحمل في فترة المراهقة يهددان صحة الأمهات والأطفال ويزيدان من تعرض الإناث للعنف، ولذلك اعتبر التقرير العنف الموجه للنساء "أسري ومؤسس". وعقب التصريح بالتقرير، بادرت مجموعة من الفعاليات النسائية في الدول العربية إلى الإعلان عن موقفها من التقرير في الجانب المتعلق بالمرأة، فأبرز بعضها أن المرأة العربية، تبوأت مكانة بارزة في التقرير الدولي، الذي اعتبر البيت مكاناً لممارسة العنف غير المنظور على الزوجات والشقيقات والأمهات، منوهاً (التقرير) بصعوبة قياس مدى انتشار العنف ضد النساء في الدول العربية، لأنه "من الموضوعات المحظورة في ثقافة تتمحور حول السيطرة الذكورية"، فجرائم الشرف والاغتصاب والنزاعات المسلحة على رأس قائمة أشكال العنف الممارس ضد المرأة العربية، بالإضافة إلى الاتجار بالبشر الذي وصفه التقرير بأنه "صنعة بملايين الدولارات تجري عبر الحدود وتنتشر بين البلدان العربية".
ومن الملاحظات أيضا، أن التقرير ضم الرجال والأطفال إلى الفئات المعرضة للاتجار، ولم تقتصر على المرأة وحدها. واعتبر أن البلدان العربية صارت مقصدا رئيسا للاتجار في الأشخاص الوافدين من مختلف بقاع الأرض، لا سيما جنوب شرق وجنوب ووسط آسيا، وآسيا الصغرى، وشرق أوروبا، وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء.
واعتبرت بعض المنظمات النسائية أن المحاور التي تناولها التقرير، وجلها تنموية، بأنها تزيد من معاناة المرأة وتشكل تهديدا بالدرجة الأولى لها، مثل انتشار الفقر والبطالة وتدني مشاركة المرأة في سوق العمل وشح المياه، وكل ذلك يزيد من الضغوط على المرأة ويشكل أداة رئيسة لنمو العنف ضدها. إلا أنها انتبهت إلى تركيز التقرير على السلبيات أكثر من الإيجابيات بعكس التقارير السابقة، التي كانت تبرز بعض الايجابيات، خاصة في ما يتعلق بالمرأة ومدى ما تحقق من إنجازات.
ورفضت بعض الناشطات النسائيات العربيات، مصطلح جرائم الشرف الوارد في التقرير بقولها "إنها جرائم ولا علاقة لها بالشرف"، إذ كان الأجدر بالتقرير، حسبها، أن يضع الحلول ويكشف عن مسببات هذه التهديدات وربطها بتركيبة المجتمع العربي ككل". كما أن تحدي شح المياه في الوطن العربي، وفي الأردن خاصة، يؤدي للابتعاد عن الزراعة ويزيد من الفقر، الذي هو أصلا مرتبط ارتباطا وثيقا بالمرأة. كما أن مشاركة المرأة في سوق العمل، التي هي أصلا متدنية سوف تتدنى أكثر بتقليص فرص العمل الناتج عن الأزمة الاقتصادية في العالم العربي.
ومن التعليقات، أيضا، أن العنف ضد المرأة تزامن مع الأزمة الاقتصادية، التي يعانيها العالم العربي بصورة عامة والدول العربية بصورة خاصة، وهو ما يؤدي إلى ضغوطات على كلا الزوجين، وبالتالي تترجم إلى عنف عند الرجل خاصة في منزله، أي أن العامل الاقتصادي سبب أساسي للعنف المنزلي.
ومن المطالب الملحة في الوطن العربي لوقف أو للتخفيف من حدة العنف الممارس ضد المرأة، المحافظة على حقوق المرأة عبر تغيير القوانين والممارسات التي ترسخ التمييز ضدها، وتفعيل التشريعات الموجودة في الوطن العربي وتطبيقها عمليا.
وتعقيبا على ما جاء في التقرير، صرح عدد من المهتمين بملف حقوق المرأة على الصعيد العربي، أن المستوى الثقافي للمرأة العربية قد لا يلاقي استحسانا عند الرجل العربي، وبالتالي يعتبر ذلك أحد مسببات العنف ضد المرأة، لأن الرجل الشرقي يرغب بالتفوق دوما على المرأة.
وأضافت التعليقات أن انعدام الأمن الشخصي للفئات الضعيفة في المجتمع العربي لا سيما الطفل، لا تقتصر أسبابه على الثغرات القانونية من غياب المساءلة وعدم تطبيق الأحكام بشكل صارم، ولكنها تتمثل في فكرة التملك والسلطة، التي يمارسها الأبوان على الطفل، ويعول على تنفيذ برامج التوعية إلى الحد من أسباب مشكلة الإساءة للأطفال والعنف الأسري. أمن الإنسان هو "الركيزة الأساسية" للتنمية البشرية. وبينما تعنى التنمية البشرية بتوسيع قدرات الأفراد والفرص المتاحة لهم، يهتم أمن الإنسان بتمكين الشعوب من احتواء أو تجنب المخاطر التي تهدد حياتهم وسبل معيشتهم وكرامتهم. وينظر المفهومان إلى الوضع الإنساني من الطرفين المتباعدين لهذا المعيار المتدرج. وذلك ما أوجزه أمارتيا سن في اصطلاح "التوسع مع الإنصاف" (التنمية البشرية)، و"الانتكاس مع الأمن" (أمن الإنسان).
والإطاران الفكريان لهذا المفهوم، إذن، متكاملان ويعزز أحدهما الآخر. يضاف إلى ذلك أن لأمن الإنسان علاقة بحقوق الإنسان، لأن احترام حقوق الناس الأساسية هو الذي يمهد السبيل لخلق ظروف مواتية لتحقيق أمن الإنسان.
انطلاقا من هذه الأفكار، يتبنى هذا التقرير التصنيف الشامل للمخاطر التي تتهدد أمن الإنسان، والتي طرحها أصلا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويعرف هذا التقرير أمن الإنسان بأنه "تحرر الإنسان من التهديدات الشديدة، والمنتشرة والممتدة زمنيا وواسعة النطاق، التي تتعرض لها حياته وحريته".
وتركز فصول التقرير على:
- الضغوط على الموارد البيئية.
- أداء الدولة في ضمان أمن الإنسان أوتقويضه.
- انعدام الأمن الشخصي للفئات الضعيفة.
- التعرض للمخاطر الاقتصادية والفقر والبطالة.
- الأمن الغذائي والتغذية.
- الصحة وأمن الإنسان.
- الانعدام المنهجي للأمن جراء الاحتلال والتدخل العسكري الخارجي.
- يمكن قياس أمن الإنسان بإنتاج مقاربتين، موضوعية وذاتية، وبمعايير كمية ونوعية. ويرى التقرير أن من المتعذر بناء دليل واحد مركب سليم يمكن الركون إليه أو على قدر كاف من الإحاطة بمختلف مستويات أمن الإنسان ومجمل الأوضاع في المنطقة. ويستعيض عن ذلك بالتشديد على أهمية المؤشرات الكمية واستطلاعات الرأي حول أمن الإنسان على صعيد المنطقة ككل، والمناطق واعتبرته تقدما مشهودا في مجال ارتفاع متوسط الأعمار المتوقعة، وانخفاض معدل وفيات المواليد الجدد، إلا أن التقرير وقف عند عدد من نقط ضعف المنظومة الصحية في الوطن العربي، مبينا أن الصحة ليست مضمونة للجميع، فالنساء يعانين أكثر من غيرهن الإهمال، وتزيد بعض التقاليد من منع حصولهن على الرعاية الصحية المناسبة، بالإضافة إلى العجز البيروقراطي، ونقص التمويل مع تعاظم الأخطار الصحية جراء انتشار أمراض معدية جديدة.
وذكر التقرير أن هناك إخفاقا في تفعيل موقف عملي كلي للصحة، وأمن الإنسان في السياق العربي، ونعت حركة الإصلاح العربية في مجال الصحة لم تتبن أمن الإنسان، كدليل إرشادي للتغيير والإصلاح، كأساس لبرامج العمل التي تدور على العموم.
الصحة في الدول العربية
وجاء في التقرير أن الصحة تأتي على درجة متدنية من سلم الأولويات بالنسبة إلى الميزانيات والبرامج، الخاصة بالتنمية في البلدان العربية، بل قال إن الصحة العامة تعامل "كمسألة ثانوية مقرنة بقضايا أخرى"، إذ لا تحظى الصحة على العموم، حسبه، إلا بالقليل من الاهتمام في النقاش العام، من هنا تظهر مفارقات صارخة بين جدية بعض المشكلات الصحية في المنطقة من جهة، وغياب هذه المسألة عن المداولات الدائرة بين البلدان العربية.
وبين التقرير أن النفقات الصحية في اكثر البلدان العربية، ضعيفة، إذ تتراوح بين 2.4 في المائة و6 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي الأعلى في لبنان والأردن، وهي الأقل في قطر والصومال، وهو ما يعادل 25 دولارا و871 دولارا للفرد الواحد.
وجاء في التقرير، عن أنه استخلص مؤشرات الصحة والنظام الصحي من البيانات التي تحوم حولها الشكوك في بعض الحالات، استنادا إلى أنه في الغالب، هو أن الحكومات هي مصدر المعلومات المتعلقة بمجال الصحة، في ظل عدم توافر نظم التسجيل الحيوية في معظم البلدان العربية. وعقب التقرير أنه "إذا توافرت هذه النظم فإنه قلما يمكن الركون إليها، فالبيانات الوطنية في معظم الحالات لا تستند إلى دراسات مسحية وطنية، ولا تمثل كل فئات المجتمع.
ومن الأرقام التي ضمنها التقرير، بلوغ العمر المتوقع عند الولادة في معظم البلدان العربية نحو 70 سنة، وهو ما جعل التقرير يبدي ملاحظة تتمحور حول وجود تفاوت أساسي في هذا الصدد بين المجموعات والمناطق الفرعية وسواها، ففي السودان والعراق والصومال لا يزيد العمر المتوقع على 60 سنة، بينما يتجاوز 74 سنة في الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان وقطر والكويت.
من جهة أخرى، كانت وفيات الأمهات إلى حدود سنة 2000 هي الأدنى في بلدان المجلس التعاون الخليجي، أي بنسبة تعادل 17 حالة من كل مائة ألف مولود حي، نظرا إلى أن 98.2 في المائة من الولادات تتم في هذه البلدان بإشراف متخصصين.
وانخفضت النسبة إلى 37.9 في المائة لتصل إلى 637.6 حالة من كل 100 ألف مولود حي، إلا أنها تبقى هي الأعلى بدرجة كبيرة من النسبة المسجلة في البلدان النامية. التي تبلغ 450 حالة من كل مائة ألف مولود حي.
أما بالنسبة إلى وفيات الأمهات، ذكر التقرير أنها لا تزال مرتفعة في البلدان الأقل نامية بالمنطقة، وبأنه وضع 44.8 في المائة من المواليد في هذه البلدان تحت إشراف متخصصين في العام 2000.
ومن الأنماط المثيرة للاهتمام، حسب التقرير، انتشار نقص التغذية في البلدان الفقيرة، والتي ابتليت بالحرب، حيث تبلغ نسبة انتشار نقص الوزن بين الأطفال دون الخامسة 26 في المائة في الصومال، وتصل إلى 40 في المائة في السودات واليمن.
وخلص التقرير إلى أنه لن تتحقق الفوائد الصحية المتوقعة في المنطقة العربية، رغم وفرة الموارد المالية المتاحة في بعض البلدان، حيث نقص التغذية يصل بين الأطفال دون السن الخامسة، إلى 14 في المائة بين أطفال الإمارات و10 في المائة من أطفال الكويت.
وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن أهم العوامل التي تتسبب في تفاوت المستوى الصحي في البلدان العربية، هي مستوى الدخل ومستوى السكن، ومستوى التحصيل العلمي للأم.
وانتقد التقرير عددا من جوانب الإخفاق في منظومة الصحة في العالم العربي، حيث تعاني نظم الصحة ضعف القدرات في مجال الصحة العامة، إلى جانب تدني العمل داخل المؤسسات الصحية، وعدم صلاحية البنية الحالية، الذي لا يمكن من نشر الوعي العام حول الصحة، إلى جانب معاناة نظم الصحة العامة نقص الموارد وتدني مستوى الأداء، وعدم المساواة في توزيع المهنيين والمعاونين في المجال الصحي، وسيادة البيروقراطية في مؤسسات النظم الصحية، بسبب التوجيهات التي تتحكم فيها وفق معايير وصفها التقرير بـ"البالية".
وتفيد بيانات منظمة الصحة العالمية أن مرض فقدان المناعة المكتسبة-السيدا في المنطقة العربية، يبقى أقل انتشارا من أمراض عديدة أخرى، بما فيها الملاريا والفشل الكبدي والأمراض التنفسية، فمرضى السل مثلا يزيد عن 400 مرة من عدد المصابين بنقص المناعة الأولية، بل إن مرض السيدا في البلدان العربية، قد يكون أقل انتشارا منه في سائر مناطق البلدان النامية.
وأشار التقرير إلى وفاة أكثر من 31.600 طفل وبالغ في سنة 2007 بسبب داء فقدان المناعة المكتسبة- السيدا في هذه البلدان، 80 في المائة منهم في السودان، بينما يقدر ظهور 90.500 حالة جديدة من الإصابة بالسيلان في البلدان العربية في الفترة ما بين العامين 2001 و2007، منها 50 ألف حالة في السودان.
وينتقل الفيروس في المنطقة العربية بسبب العلاقات الجنسية غير المأمونة مع أحد أفراد الجنس الآخر، ما يساهم في نقل العدوى إلى 67 في المائة من الحالات المعروفة في المنطقة، وتتراوح ما بين 90 في المائة في السعودية و83 في المائة في المغرب و64 في مصر.
اللاجئون في الدول العربية
لفت تقرير التنمية البشرية العربية، إلى فرادة المنطقة العربية باعتبارها المنطقة التى تلتقى فيها قضية اللاجئين الأطول عهدا فى العالم، أي قضية الفلسطينيين، بتلك الأحدث عهدا فى دارفور"، إذ قدر التقرير عدد اللاجئين فى المنطقة بنحو نصف اللاجئين فى العالم، وعددهم فى البلدان العربية نحو 7,5 مليون في 2008 من إجمالى عددهم فى العالم البالغ 16 مليونا ومعظمهم من الفلسطينيين يليهم العراقيون، وهم يقيمون فى الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن وسوريا.
ويقدر التقرير عدد اللاجئين في المنطقة بنحو نصف اللاجئين في العالم وفقا للارقام التي سجلتها المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة لغوث، وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا"، و"عددهم في البلدان العربية نحو 5،7 مليون في 2008 من إجمالي عددهم في العالم البالغ 16 مليونا".
ويلفت التقرير الانتباه إلى أن عدد النازحين داخل بلدانهم يفوق عدد اللاجئين "ويبلغ نحو 8،9 مليون مهجر غالبيتهم الكبرى موزعة في ست دول عربية، هي السودان وسوريا والصومال والعراق ولبنان واليمن".
وسبق لتقرير صدر عن الأمم المتحدة، الاسبوع الماضي، أن تجدث عن الوضع بالنسبة إلى المدنيين في دارفور، ووصفه بأنه لايزال "مقلقا للغاية" حيث نزح 2.6 مليون شخص، ويحتاج 7ر4 مليون إلى المساعدة، واعتمد التقرير على تقديرات عام 2008، مما يعني أن عدد اللاجئين بسبب الحرب، قد زاد خلال حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها الصومال، بعد القتال الذي نشب في العاصمة بين قوات الحكومة والمتمردين.
وفي هذا الصدد، دعا التقرير الدول إلى سلسلة تدابير لتعزيز أمن الإنسان، بينها تسوية النزاعات، وتعزيز حكم القانون وحماية البيئة وحماية الفئات الضعيفة وإعادة توجيه دفة الاقتصاد للقضاء على الجوع، وإصلاح القطاع الأمنى واستقلالية القضاء وغيرها من الخطوات، مشيرا إلى أن "المماطلة ستزيد من انعدام أمن الإنسان".
ويذكر أن التقرير اعتمد فى تقييمه على أربعة معايير، وهى "مدى قبول المواطنين لدولتهم، والتزام الدولة بالعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكيفية إدارتها لاحتكار حق استخدام القوة والإكراه، ومدى قدرة الرقابة المتبادلة بين المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة".
ويفجر التقرير مفاجأة، إذ يشير إلى أن العالم العربي يستحوذ لنفسه نحو نصف لاجئي العالم كله، المسجلين في كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة، وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، ويقدر عددهم بنحو 16 مليون لاجئ فلسطيني وعراقي، يعيش غالبيتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن وسوريا.
وفي الدول العربية كذلك ظاهرة لجوء أخرى، هي "المهاجرون داخليا"، وهم أكثر عددا من اللاجئين في المنطقة وأوسع انتشارا، وتقدر أعدادهم بنحو 9.8 مليون شخص. ونسبة كبيرة منهم تتركز في ست دول عربية هي: السودان وسورية و الصومال والعراق ولبنان واليمن. وينادي التقرير بضرورة البحث عمن يخفف من الإحساس بانعدام الأمن لدى الفئات الأضعف في المنطقة، والإقرار بما تعانيه من إجحاف، "لأن ليس في مقدور الدولة أو المجتمع حماية ما لا يريانه رأي العين".
من جهة أخرى، يقدر التقرير عدد الذين اضطروا إلى الفرار من موطنهم بسبب النزاعات بحوالي 17 مليون نسمة، ولم يتطرق التقرير لعدد المهجرين والمنفيين، أو طالبي اللجوء في بلدان العالم لأسباب سياسية، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية المنطلقة في معظمها من السواحل العربية، وهو معيار يؤكد الاستنتاج الذي خرج به التقرير عن إغفال الحكومات لأمن المجتمع، وتركيزها على أمنها.
الضغوط السكانية في المنطقة العربية
أبرز التقري أنه من التحديات التي يواجهها أمن الإنسان في المنطقة العربية الضغط السكاني، إذ إن عدد سكان الدول العربية سيرتفع، حسب تقديرات الأمم المتحدة، بحلول عام 2015، إلى 395 مليون نسمة مقابل 317 مليونا عام 2007"، وهو ما سيتحالف مع باقي الضغوطات الناتجة عن التوسع الحضري، وارتفاع نسبة الشباب إلى 60 في المائة من العرب دون سن الـ25، وندرة المياه وتلوثها والمصحوبة بالتصحر وظواهر مناخية أخرى مثل الاحتباس الحراري وبظاهرة "اللاجئين البيئيين".
وأكد التقرير أن التحدي الأكبر في الدول العربية، يتمثل بارتفاع نسبة الشباب، وهي الشريحة الأسرع نموا بين سكان الدول العربية، حيث لا يتعدى نحو 60 في المائة من السكان البالغ سنهم 25 سنة، ما يجعل المنطقة واحدة من أكثر بقاع العالم شبابا.
ولذلك تطرق التقرير إلى أهمية أخذ جميع مستلزمات التنمية الإنسانية في الدول العربية في الحسبان، ضمانا لمسيرة التقدم، إذ يتوقع التقرير أن يصل عدد السكان في البلاد العربية بحلول عام 2015، إلى حوالي 395 مليون نسمة، أي بزيادة 88 مليون نسمة عن تقديرات عام 2007، وهي زيادة كبيرة، تظهر أن المنطقة العربية تواجه، وستواجه أكثر ضغوطا سكانية تفوق قدرة الحكومات على التخطيط، وعلى امتصاص هذه الزيادة غير المعهودة وتوظيفا التوظيف الأمثل.
وستساهم الزيادة الجديدة في عدد السكان من عدد العاطلين عن العمل، وحتى الآن تحتل البلدان العربية الترتيب الأول في البطالة، في حين تقدر نسبة البطالة عالميا بحوالي 6.3 في المائة، وتقدر في البلاد العربية بحوالي 14.4 في المائة، مؤكدا أن "هذه المشكلة ستتفاقم، لأن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أن الدول العربية ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة".
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، ستضم الدول العربية نحو 395 مليون نسمة بحلول العام 2015 مقابل 317 مليونا في عام 2007 و150 مليونا في عام 1980.
واعتبر تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، أن أبرز التحديات التى يواجها العالم العربى تتمثل فى تزايد معدلات النمو السكاني، وارتفاع البطالة وأداء الأنظمة والاحتلال، لافتا إلى أن غياب الشعور بالأمان على نطاق واسع فى البلدان العربية أدى إلى عرقلة مسيرة التقدم، بل إن الدولة العربية، تحولت إلى مصدر تهديد لأمن مواطنيها، بدلا من أن تكون سندا وحماية له، وأن أداء الدول شهد تقصيرا كبيرا فى ضمان أمن المواطن. أكد التقرير أنه في ستة بلدان يحظر تكوين الأحزاب السياسية، بينما تعاني معظم البلدان العربية غياب حرية التعبير وحرية الصحافة، ولا يتمتع مواطنوها بمفهوم المواطنة، ما جعل السكان يبحثون عن هوياتهم العرقية والطائفية، ما يشكل مصدر عدم استقرار جديد، سيسفر عن مزيد من العاطلين واللاجئين والنازحين، وإذا أهملت الحكومات واجباتها الأساسية في التنمية، وتحقيق الاستقرار والأمن، والمساواة في الفرص بين جميع المواطنين، فإنها أهملت أيضا تحديات خطيرة، مثل مشكلة التصحر وتلوث البيئة، إذ يقدر التقرير أن التصحر قد طال حوالي 2.9 مليون كم مربع، أو ما يساوي خمس مساحة العالم العربي، كما أن المنطقة ستواجه تحديا آخر أكثر خطورة، وهو أنه لن يكون هناك ما يكفي من المياه، لهذه الزيادة الكبيرة في عدد السكان، ما يعني أن المنطقة التي شهدت أكبر عدد من النازحين واللاجئين في العالم، ستشهد موجة من اللجوء غير مسبوقة، كما لا يستبعد نشوب حروب حول المصادر المائية، حتى في الدول النهرية، بما في ذلك بلاد الرافدين، التي قد تتحول إذا لم تبذل جهود جبارة، تشترك فيها الحكومات والمجتمعات، إلى بلاد العطشانين.
كما انتقد التقرير المنحى الإيديولوجي أو المذهبي، الذي تنتهجه بعض الدساتير العربية، والذي يفرغ النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات العامة من كل مضمون. وشملت الانتقادات كذلك قوانين مكافحة الإرهاب، التي منحت الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة "قد تشكل تهديدا للحريات الأساسية".
وأوضح التقرير أن الدساتير العربية كثيرا ما تنحو منحى إيديولوجيا أو فقهيا يفرغ النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات العامة من كل مضمون، ويسمح بانتهاك الحقوق الفردية باسم الإيديولوجيا أو المذهب الرسمي. ومن الأمثلة على ذلك، حسب التقرير التمهيد، الذي يتصدر دستور الجمهورية العربية السورية، والذي يتحدث عن الاشتراكية والقومية العربية، باعتبارهما السبيل الأوحد للنضال الوطني، ويعلن الدور الرائد لحزب البعث العربي الاشتراكي في هذا المجال. وتخضع المادة 38 من الدستور السوري حرية التعبير لإيديولوجية الدولة والمجتمع، يجعلها مشروطة "بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي".
وثمة، حسب التقرير، دساتير عربية أخرى تتناول حرية الرأي والتعبير بطريقة "غامضة". مع الجنوح إلى التقييد لا إلى التسامح. وأورد التقرير مثالا على ذلك في المادة 39 من النظام الأساسي للحكم في السعودية، وهي تنص على أن "تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك".
وأوضح التقرير أن هناك دساتير عربية عديدة تحيل تعريف الحقوق على أنظمة الدولة، التي تتوسع بتقييد حقوق الأفراد وانتهاكها، باستخدام نصوص تضمنها في القانون العادي.
ووفقا للدستور الجديد في العراق، تظل جميع القوانين القائمة، حسب التقرير، بما فيها القوانين التي سنت في عهد صدام حسين، سارية المفعول إلى أن يجري إلغاؤها أو تعديلها (المادة 130). ونتيجة لذلك، مازال العديد من القوانين التقييدية المتشددة قيد التطبيق. فبموجب المادة 226 من قانون العقوبات العراقي، تعد إهانة أي من المؤسسات والمسؤولين في القطاع الحكومي العام جريمة يعاقب عليها القانون. ووفقا للمادة 227 منه، يعد توجيه إهانة علنية إلى دولة أجنبية أو منظمة دولية لها مكاتب في العراق جريمة كذلك.
وتمتهن الدساتير العربية الحقوق الأساسية، حسب التقرير، بطرق أخرى كذلك، فمع أن قوانين الدول العربية، على العموم، لا تجيز التمييز بين المواطنين على أساس اللغة أو الدين أو المذهب أو العقيدة، فإن التمييز ضد المرأة واضح كل الوضوح في قوانين بعض البلدان. وتنطوي القوانين في معظم هذه الدول على التمييز ضد المرأة في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية والعقوبات الجزائية والاستخدام وجنسية الأطفال ذوي الآباء الأجانب.
أما الدولة الوحيدة بين بلدان الخليج العربية الستة، التي تسمح بقيام "جمعيات سياسية"، حسب التقرير، فهي البحرين. وتواصل أغلبية الدول العربية ممارسة درجات ملموسة ومتفاوتة من التقييد على تأسيس الأحزاب السياسية وعملها، لاسيما أحزاب المعارضة التي قد يتعرض المنتسبون إليها كذلك لممارسات قمعية. غير أننا نشهد اتساعا نسبيا في هامش الحرية السياسية في هذه الآونة في دول مثل لبنان والمغرب.
وتحدث التقرير عن مجموعة من الإجراءات "التقييدية"، التي تحكم وتنظم قطاع المجتمع المدني، والتي تعيق هذا الحق.
ويواجه المجتمع المدني في البلدان العربية، حسب التقرير، عددا من القيود والعراقيل والممارسات التي يمكن تصنيفها تحت ثلاث فئات، الأولى هي القيود المفروضة على تشكيل الجمعيات وقدرتها على ممارسة نشاطها، والثانية هي سلطة الدولة غير المقيدة في مجال حل الجمعيات أو مجالس إدارتها أو تعليق نشاطاتها أو إلغائها نهائيا، والثالثة هي القيود المفروضة على مصادر التمويل، خصوصا الخارجية منها، أو على الانتساب إلى الاتحادات والشبكات الدولية الأخرى. وتتفاوت هذه القيود، حسب التقرير، بدرجة كبيرة بين بلد وآخر، وبين زمن وآخر. بيد أن سيطرة الدولة المفرطة ومصادرتها لدور المجتمع المدني تظل هي العلامة البارزة في علاقة الدولة بالمجتمع المدني في المنطقة العربية.
قضايا الهوية
أشار التقريرإلى أن الأحداث المعاصرة في البلدان العربية تؤكد أن بروز قضايا الهوية في الصراعات الداخلية يتفاوت من بلد إلى آخر، دون أن يكون ثمة نمط واحد للشكل الذي تتخذه هذه القضايا.
فعلى سبيل المثال، قد يتركز جوهر النزاع في بعض الحالات على الهوية، لكن الخلاف قد يدور حول الهوية الوطنية (هل الأمة عربية أم مسلمة، أم تغلب هوية أخرى على كلتاهما) لا حول هوية الأطراف المتنازعة. وهكذا، فقد لا تنتمي هذه الأطراف بالضرورة إلى جماعات منفصلة ذات ولاء عرقي وثقافي معين، وقد لا يدور النزاع حول علاقات القوة بين هذه الفئات.
وأكد التقرير أن الخلاف قد يكون في جوهره، نتيجة تباين في الرؤى السياسية للكيان السياسي الذي تنتمي إليه. ومن الأمثلة على ذلك، الجدل القائم على الهوية في عدد من البلدان العربية بين الدولة وبعض الجماعات الإسلامية. ويدور هذا الجدل، حسب التقرير، حول فرض هوية سياسية معينة على هذه الدول، لا حول الهويات الموروثة للأطراف المتنازعة التي لا تنتمي بالضرورة إلى جماعات عرقية أو إثنية مختلفة.
من جهة أخرى، تؤكد المعلومات الواردة في التقرير والمستقاة من الواقع أن الاختلافات الإثنية والدينية والطائفية واللغوية قد ترتبط في البلدان العربية بنزاعات متأصلة بين الجماعات، لاسيما في البلدان التي ليس فيها تجانس سكاني. ففي بلدان مثل السودان والصومال والعراق ولبنان كانت الولاءات القبلية والإثنية والدينية هي المحاور، التي التفت وحشدت حولها الجماعات للمناداة بالاندماج أو الانفصال. وأفضى هذا الحشد و"التجييش" إلى آثار مدمرة ومزعزعة للاستقرار، انتقصت من أمن الإنسان وسلامة الدولة على حد سواء. ومن الأمور المأساوية، حسب التقرير، أن هذه الصراعات قد أسفرت عن الجانب الأعظم من الخسائر في الأرواح في البلدان العربية، التي تجاوزت أعدادها ما وقع، جراء الاحتلال الأجنبي لبعض هذه البلدان.
وتتمثل وجهة النظر التي يتبناها التقرير في أن الهوية، بحد ذاتها، ليست بالضرورة سبب النزاع، أو حتى المصدر الرئيس للتوتر بين مختلف الجماعات. فالخلافات التي تنطلق، في ظاهرها، من اعتبارات تتعلق بالهوية، كثيرا ما تنشأ من تعثر سبل الوصول إلى السلطة السياسية أو الثروة، وغياب قنوات المشاركة التمثيلية السياسية، وقمع هذه النزاعات باستغلال الزعامات السياسية، لأغراضها الإيديولوجية الخاصة، للولاءات الأصلية بين الفئات التي يجمع ما بينها إحساسها بالإقصاء والحرمان والتمييز. وهذا الاستغلال، الذي يعطي الوشائج بين أعضاء تلك الجماعات مرتبة الأولوية على مصالح المجتمع، يغدو ممكنا عندما تخفق الدولة في تأمين حقوق المواطنة الكاملة وضمانها للجميع. ووفقا لهذا المعيار، فإن ممارسات العديد من الدول العربية قاصرة عن بناء نموذج يضمن المواطنة الكاملة.
استقلال القضاء بين الخطاب والممارسة
قال التقرير إن المخاطر التي تهدد استقلال القضاء لا تأتي من الدساتير التي تعلي، على العموم، من شأن هذا المبدأ، بل تأتي من السلطة التنفيذية. وتعاني المؤسسات القضائية العربية جميعها شكلا أو آخر من ممارسة تنتقص من استقلالها، جراء هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية. ومن نتائج ذلك، حسب التقرير، قيام فجوة واضحة بين النصوص الدستورية من جهة، والممارسات الفعلية من جهة أخرى. ولا يقتصر الأمر على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم رئيس الدولة، بل إن رئيس الدولة هو المؤتمن على رئاسة الأجهزة التي تتولى الإشراف والرقابة على القضاء. وغني عن التوضيح، حسب التقرير، أن السلطة التنفيذية تتمتع، إضافة إلى ذلك، بنفوذ واسع في التعيينات والترقيات في سلك القضاء، وفي تكليف القضاة مهمات خارج نطاق مهماتهم الوظيفية العادية، وفي مجالات التفتيش والتأديب القضائي.
وتعد أبرز الانتهاكات للاستقلال المؤسسي للقضاء، حسب التقرير، في العديد من البلدان العربية هو وجود أنواع من المحاكم الاستثنائية في كثير من البلدان العربية، مع ما ينطوي عليه ذلك من خرق للحماية القانونية لحقوق الأفراد، لا سيما في المجال الجنائي، في تلك المحاكم غير المستقلة. وهذا النوع من المحاكم ـ وأبرزها المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة ـ يمثل إنكارا لمفهوم القاضي الطبيعي، وانتقاصا من ضمانات المحاكمة العادلة.
وتجد المحاكم العسكرية، حسب التقرير التي تمتد حدود صلاحياتها لتشمل محاكمة المدنيين في بعض البلدان العربية، وبخاصة في الجرائم السياسية، سندا لها في القانون العادي. وأبرز الأمثلة على ذلك هو القانون الرقم 1966/25 في مصر، حيث توسع المادة 6 من صلاحية المحكمة العسكرية، خاصة في حالات الطوارئ، للنظر في أي جريمة ينص عليها في القانون يحيلها عليها رئيس الجمهورية. ولكن الأهم من ذلك هو أن التطابق الواسع لصلاحيات القضاء العسكري قد ثبتته الدساتير العربية بصورة صريحة.
وتفتقر أشكال القضاء الاستثنائي الأخرى، مثل محاكم أمن الدولة، حسب التقرير، إلى ضمانات المحاكمة العادلة، وهي تنتشر في عدد من البلدان العربية.
واجتهد القضاة في بعض البلدان العربية، حسب التقرير، لتكريس مبدأ الاستقلال القضائي وتحقيق التقدم في هذا المجال. ولعل من الأمثلة الجدير ذكرها في هذا الصدد الإصلاحات القانونية في الجزائر عام 2006، التي فرضت أن تكون أغلبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، من القضاة المنتخبين.
ويرى التقرير أن الإصلاح من الداخل "يظل هو السبيل الوحيد الأمثل لتحقيق الأمن ذي الأبعاد والجوانب المتكاملة في البلدان العربية، بدءا من الحقوق الأساسية للمواطنين"، مقررا أنه "لا يمكن فرض هذا الإصلاح من الخارج، كما لا يمكن استيراد نموذج ديمقراطي جملة وتفصيلا". اعتبر التقرير أن أمن الإنسان من مستلزمات التنمية الإنسانية و"أن غيابه على نطاق واسع في البلدان العربية أدى إلى عرقلة مسيرة التقدم".
ومن أبرز التحديات التي يواجهها أمن الإنسان الضغوط السكانية، إذ أن عدد سكان الدول العربية سيرتفع، حسب تقديرات الأمم المتحدة، "بحلول عام 2015 إلى 395 مليون نسمة مقابل 317 مليونا عام 2007".
ويركز التقرير على انعدام الأمن لدى الفئات الضعيفة لا سيما على صعيد العنف ضد النساء وشرائح اللاجئين والمهاجرين.
وأشار التقرير إلى تقصير كبير لدى الدول على صعيد أداء الدولة في ضمان أمن الإنسان معتمدا في تقييم ذلك على أربعة معايير هي "مدى قبول المواطنين لدولتهم، والتزام الدولة بالعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكيفية إدارتها لاحتكار حق استخدام القوة والإكراه، ومدى قدرة الرقابة المتبادلة بين المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة".
ولاحظ "حالات من التقصير الكبير والمتمادي في تطبيق هذه المعايير، تجتمع لتجعل من الدولة مصدرا يهدد أمن الإنسان بدل أن يكون سندا له".
وأعطى التقرير أمثلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق والصومال تتعلق "بالاحتلال والتدخل العسكري" وفيها "ألغي بالقوة حق الشعب الأساسي في تقرير المصير".
وجاء في التقرير "من منظور التنمية الإنسانية لن يتحقق السلام الدائم إلا بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي التي احتلتها في 1967 واستعادة الحقوق الفلسطينية وفي مقدمها حق تقرير المصير. وساهم غياب مثل هذا الحل حتى الآن في إحباط التنمية الإنسانية في المنطقة".
وأشار تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، إلى أن أبرز التحديات التي يواجهها العالم العربي تتمثل في تزايد معدلات النمو السكاني وارتفاع البطالة وأداء الأنظمة والاحتلال، لافتا إلى أن غياب الشعور بالأمان موجود على نطاق واسع في البلدان العربية، أدى إلى عرقلة مسيرة التقدم، بل إن الدولة العربية تحولت إلى مصدر تهديد لأمن مواطنيها، بدلا من أن تكون سندا وحماية له، وأن أداء الدول شهد تقصيرا كبيرا في ضمان أمن المواطن.
وأوضح التقرير الذي حمل عنوان "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية"، أن الضغوط السكانية ستؤثر على أمن المواطن العربي، إذ أن عدد سكان الدول العربية سيرتفع، حسب تقديرات الأمم المتحدة، بحلول عام 2015 إلى 395 مليون نسمة، مقابل 317 مليونا عام 2007.
وأكد التقرير أن عامل الاحتلال والتدخل العسكري "يؤديان إلى تهجير الشعوب ويزرعان بذور التوتر ويعززان الجماعات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف"، إضافة إلى أنهما يساعدان الأنظمة على "أن تتخذ من حماية الأمن القومي ذريعة لتأخير مسيرة الديموقراطية".
ودعا التقرير الدول إلى اتخاذ سلسلة من التدابير من أجل تعزيز أمن الإنسان، بينها تسوية النزاعات وتعزيز حكم القانون وحماية البيئة وحماية الفئات الضعيفة وإعادة توجيه دفة الاقتصاد مع القضاء على الجوع وإصلاح القطاع الأمني واستقلالية القضاء، وغيرها من الخطوات، مشيرا إلى أن "المماطلة ستزيد من انعدام أمن الإنسان".
وحمل التقرير الذي يقع في نحو 300 صفحة عنوان "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية". وهو يتبنى التصنيف الشامل للمخاطر التي تتهدد أمن الإنسان ويقوم على "تحرر الإنسان من التهديدات الشديدة المنتشرة والممتدة زمنيا، التي تتعرض لها حياته وحريته".
وتناولت الدراسة الحالية موضوع أمن الإنسان في البلدان العربية، انطلاقا من الإطار الذي وضعه "تقرير التنمية البشرية" لعام 1994 حول أمن الإنسان، وانطلق التقرير من أن جوانب القصور التي حددت معالمها التحليلات الواردة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول ربما تكون بعد مرور سبع سنوات على إصداره ازدادت عمقا.
وجاء في التقرير أن "أجهزة الدولة تمارس انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية، من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني".
كما أشار التقرير إلى أن دولا عربية عديدة شهدت فترات طويلة جدا من الأحكام العرفية أو حكم الطوارئ "التي تحولت فيها الإجراءات المؤقتة أسلوبا دائما لتوجيه الحياة السياسية".
وذكر التقرير في هذا السياق إلى أنه "غالبا ما يكون إعلان حالة الطوارئ ذريعة لتعليق الحقوق الأساسية وإعفاء الحكومة من أي قيود دستورية مهما كانت محدودة أصلا".
التعذيب في الدول العربيةر
أكد التقرير الذي حمل عنوان "تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية"، أن "أجهزة الدولة تمارس انتهاكا لحقوق المواطنين في الحياة والحرية، من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني. واستند التقرير في ذلك إلى تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان وهناك أمثلة لذلك بممارسات التعذيب في ثماني دول عربية بين عامي 2006 و2008". لكن التقرير لم يسم هذه الدول.
وقال "لا نمو ولا تنمية ولا تقدم ولا تطور ولا رفاه بالقدر، الذي نحتاجه في العالم العربي مادام الكيان الاستيطاني الإسرائيلي مستمرا في فرض هذا الصراع وبشكل متصاعد، منذ أكثر من 60 عاما".
وأشار التقرير إلى أن "الذي يهدد أمن الإنسان العربي يتجاوز مسألة النزاعات المسلحة ليشمل قضايا أخرى أساسية منها التدهور في البيئة والوضع الهش لعدد كبير من الفئات الاجتماعية والتقلب الاقتصادي الناتج عن الاعتماد المفرط على النفط والأنظمة الصحية الضعيفة وعدم خضوع الأجهزة الأمنية للمساءلة".
وتحدث التقرير عن أحكام عرفية، مشيرا إلى أن الكثير من مواطني البلدان العربية يعيشون حالة من "انعدام الحرية".
وأكد التقرير أن "العلاقة بين الدولة وأمن الإنسان ليست علاقة سليمة. ففيما يتوقع من الدولة أن تضمن حقوق الإنسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدرا للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والأحكام الدستورية الوطنية".
وشدد هذا التقرير على أن "إخفاق الدولة الذي يكمن وراء أزمة "دارفور" يقدم دليلا واضحا على مدى تأثير أداء الدولة في أمن الإنسان".
وقال التقرير "في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 أصدرت معظم البلدان العربية قوانين لمكافحة الإرهاب تقوم على تعاريف فضفاضة لمفهوم الإرهاب، ومنحت هذه القوانين الأجهزة الأمنية في الدولة صلاحية واسعة في بعض المجالات التي تشكل تهديدا للحريات الأساسية في مواضيع أخرى".
وأضاف التقرير "تمارس أجهزة الدولة انتهاكا لحقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني.
وقال "شهدت دول عربية عديدة فترات طويلة جدا من الأحكام العرفية أو حكم الطوارئ التي تحولت فيها الإجراءات المؤقتة أسلوبا دائما لتوجيه الحياة السياسية. وغالبا ما يكون إعلان حالة الطوارئ ذريعة لتعليق الحقوق الأساسية وإعفاء الحكومة من أية قيود دستورية مهما كانت محدودة أصلا".
ولفت التقرير الانتباه إلى أن الأمن الشخصي للمواطنين في البلدان العربية "مشوب بالثغرات القانونية وتراقبه وتتولى تنظيمه مؤسسات تتمتع بسلطة الإكراه وتقوم على مصادرة الحريات"، وتحدث التقرير، عن أن معظم البلدان العربية انضمت إلى الاتفاقات الدولية الرئيسة الخاصة بحقوق الإنسان التي تنص على الحق في الحياة والحق في الحرية.
ودعا التقرير البلدان العربية المعنية إلى التزام "بتعديل تشريعاتها وممارسات على المستوى الوطني بصورة تنسجم مع أحكام هذه الاتفاقيات"، غير أنه أشار إلى "إننا نشهد من الانتهاك لهذه المواثيق أكثر مما نشهده من الاحترام فعقوبة الإعدام التي حظرها أكثر من نصف دول العالم وشجبتها الأمم المتحدة مازالت تتوسع بلدان عربية في تنفيذها فتطبيقها لا يقتصر على الجرائم الكبرى كما لا تستثنى منها حالات الجرائم السياسية".
وأكد التقرير أن العلاقة بين الدولة وأمن الإنسان ليست علاقة سليمة ففيما يتوقع من الدولة أن تضمن حقوق الإنسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدرا للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والأحكام الدستورية الوطنية.
من جهته، رأى أحد الوزراء العرب في كلمة ألقاها، خلال الاحتفال بإعلان تقرير التنمية الإنسانية، أن "مسألة المقاربة التي نعالج بها واقعنا العربي بالغة التعقيد، فلقد دلت التجربة في عالمنا العربي على مقاربة التحديات في الأمن وغيره بعضها ببعض" لافتا إلى أنه فسر سابقا بأن وجود الاحتلال في قلب وطننا العربي طبع تاريخه الحديث، وحد من قدرته على التطور والنمو طالما استمر الكيان الإسرائيلي في فرض هذا الصراع وبشكله المتصاعد، منذ أكثر من 60 عاما.
وأشار إلى أن "انعدام الاستقرار في بلداننا العربية المتمثل بالاحتلال العسكري والنزاعات المسلحة هو أمر تطرق إليه التقرير كأحد الأسباب الرئيسة لضعف مقومات الأمن للإنسان العربي"، معتبرا أن إنهاء الاحتلال كما العمل على إنهاء النزاعات المسلحة في البلدان العربية الأخرى، هي شروط أساسية وغير قابلة للمساومة إذا أردنا فعلا أن نحقق أمن الإنسان العربي بمفهومه العريض وكما يتحدث عنها التقرير"
ندرة المياه ومخاطر التصحر
قال تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية للعام 2009، أن المنطقة "توشك أن تقع ضحية مباشرة لتغيير المناخ". وتحدث عن ندرة المياه في البلدان العربية، مشيرا إلى مخاطر التصحر والضغوط البيئية التي تهدد أمن الإنسان.
وجاء في التقرير الصادر في بيروت "يهدد التصحر المتواصل نحو 2.87 مليون كيلومتر مربع أو نحو خمس المساحة الإجمالية للمنطقة العربية".
والتقرير هو المجلد الخامس من سلسلة تقارير التنمية الإنسانية العربية، التي يرعاها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويضعها عدد من المثقفين والباحثين في البلدان العربية.
وقال التقرير "تواجه المنطقة العربية تحديات متعاظمة تهدد أمن الإنسان، نتيجة للضغوط البيئية. وقد تفضي النزاعات المترتبة على المنافسة على الموارد الطبيعية المتناقصة إلى رفع نسبة التوتر في العلاقات بين الجماعات والسكان والدول العربية وغير العربية".
وتحدث التقرير عن ندرة المياه، إذ "يقدر الحجم الإجمالي السنوي لموارد المياه السطحية المتوفرة في البلدان العربية بنحو 277 مليار متر مكعب سنويا، لا ينبع منها في المنطقة العربية سوى 43 في المائة. وتمثل موارد المياه المشتركة مع بلدان مجاورة خارج المنطقة قرابة 57 في المائة من إجمالي الاحتياجات العربية".
وأشار التقرير إلى أن مخزون مصادر المياه الجوفية المتجددة يستهلك أسرع مما يتجدد، مؤكدا أن تلوث المياه في البلدان العربية يمثل تحديا خطيرا.
وحسب التقرير، فإن مستوى التلوث الجوي في البلدان العربية هو على العموم بين النسب الدنيا في العالم.أما بالنسبة للاحتباس الحراري، فان تقرير التنمية البشرية يشير إلى أن السودان ولبنان ومصر وبلدان شمال إفريقيا هي الأكثر تأثرا بتغيير المناخ في المنطقة.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، ستضم البلدان العربية نحو 395 مليون نسمة بحلول العام 2015، (مقابل 317 مليونا في عام 2007 و150 مليونا في عام 1980).
فالشباب هم الشريحة الأسرع نموا بين سكان البلدان العربية. ولا يتعدى نحو 60 في المائة من السكان الخامسة والعشرين من العمر، ما يجعل المنطقة واحدة من أكثر بقاع العالم شبابا. ويبلغ متوسط معدل العمر في المنطقة 22 سنة، مقابل متوسط عالمي يبلغ 28 سنة.
وبيئيا، اقترح التقرير حماية البيئة، من خلال تدعيم المؤسسات المعنية بها، وسن القوانين البيئية في التخطيط الإنمائي، ورفع مستوى الوعي البيئي عبر تثقيف الشباب. وشدد التقرير على أهمية تبني السياسات الشاملة التي لا تجزئ المعضلات والمشكلات. فبرامج توليد فرص العمل لن تكون ذات فائدة إلا إذا استطاع الإنسان الحصول على الغذاء السليم والرعاية الصحية اللائقة، اللازمتين لقيامه بعمله.