إلى متى تبقى المطلقة ضحية في أنظمتنا؟
د. هتون أجواد الفاسي
تحفل قضايا الأحوال الشخصية التي لم يصدر لها قانون بعد، بالكثير من الفجوات القانونية التي تنوء بها كواهل النساء في بلادنا. وعندما أستخدم كلمة "تنوء" فإنني أختار أخف الألفاظ التي لا تكفي مفردات اللغة العربية للتعبير عن هذا الحمل العظيم الواقع على نسائنا بشكل مستمر ومطرد ونظامي وفق القوانين التي تحاصر المرأة أينما اتجهت إذا طرأت على حالتها الاجتماعية حالة أخرى غير الزواج السعيد.
وصحيح ان وزارة العدل تعمل على مراجعة كثير من لوائحها وقوانينها حتى تصبح أكثر تسامحاً مع المرأة ومراعاة لظروف المرأة. فنجد أن هناك أوامر صارمة بالتسريع في تحصيل النفقة للمطلقة وللحاضنة ولحصولها على الأوراق الثبوتية اللازمة لها ولأبنائها حتى لا تتعطل حياة أو تعليم أحد منهم وكل ما يترتب على هذه الأوراق، لكن الفجوات القانونية كثيرة ويحسن كثير من الرجال استغلالها.
ففي إحدى هذه الفجوات استغلال بعض الطلقاء لطليقاتهم المادي الذي تناوله الكثيرون والكثيرات ولم يعد خافياً على مسؤولين أو مشرعين أو نساء أو رجال. وفي ظل أن النساء في بلادنا، كما في معظم بلاد العالم، الأضعف مادياً لظروف تتعلق باختلاف الكادر الوظيفي وفي حالتنا الفرص الوظيفية المحدودة أمام المرأة حتى في الوظائف الموازية لوظائف الرجال والتي تسمح للرجال بكثير من الإضافة إلى رواتبهم وتحسين أوضاعهم المادية لا تتوفر للنساء، وظروف تتعلق بضعف نسبة النساء العاملات في السعودية واللاتي يمكن أن يعتمدن على أنفسهن مادياً، فعدد العاملات لا يصل إلى المليون في حين أن عدد الإناث يبلغ العشرة ملايين في التعداد الرسمي، فضلاً عن أن نسبة المردود المادي من عمل هؤلاء النساء أضعف بمراحل جمة عن مثيلها بين الرجال نظراً للحؤول دون وصول النساء إلى المناصب العليا والمجزية التي يمكنها أن تحسن في أوضاعهن الاقتصادية حقيقةً. ومن سوف يتصدى ويذكر لي البلايين الموجودة باسم نساء في البنوك السعودية، حبذا لو يأتي عليها بتفاصيل حقيقية وليس دِعائياً يمكن أن يشرح حقيقة هذه الخرافة في وجهة نظري، فمهما كان ميراث النساء أو أرصدتهن الخاصة فلن تصل هذه الأرقام الفلكية.
وفيما يتعلق بحالة المطلقات فهن يعانين من عدد من المترتبات على الطلاق تفقدهن الكثير من مكتسباتهن المادية السابقة وعلى رأسها البيت. فمهما شاركت المرأة في بناء البيت أو أقساطه أو فرشه أو الصرف عليه، فكما نعلم، أنه من النادر أن توثق النساء ما ينفقنه في إطار الأسرة، وبالتالي تفقد كل حقوقها. ويسرع الطليق بإخراج طليقته من بيتها مجرد أن يقع الطلاق في استمتاع بمشاهدتها تتشرد من بيت إلى بيت أو تضطر للبحث عن شقة أو بيت لا يقبل صاحب عقارها بتأجيرها باعتبارها امرأة لن يتمكن من تحصيل إيجاره منها في حال لم تسدد.
قضية السكن قضية مأساوية تعاني منها مئات الآلاف من المطلقات. وعلى الرغم من وجود جهات تحاول تعويض النساء هذه الحاجة كوزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة الإسكان، لكن النساء يُواجهن بتفاصيل بيروقراطية تجعل استفادتهن من هذه الخدمات محدودة في ظل تحايل الرجال على طليقاتهم بكل الأشكال التي تسكت عنها القوانين.
فالحالة التي أمامي على سبيل المثال، حصلت المرأة فيها على الطلاق واحتفظت بالأطفال، لكن طليقها لم يقبل أن يوافق على حضانتها إياهم رسمياً، لكنه تركهم معها "تفضلاً" من عنده وحتى يتهرب من الإنفاق عليهم، وفي ظل عدم وجود صك حضانة معها لا يمكنها مطالبة الرجل بالبيت، ولا بالنفقة بعد أن "أثبت" لدى القاضي إعساره. كما لا يمكنها الحصول على بيت في مشروع الإسكان الذي يشترط صك الحضانة. وعلى الرغم من أن هذه المرأة كانت هي من يصرف على البيت طيلة فترة زواجها التي امتدت إلى قرابة العشرين عاماً لمختلف الحجج، ونظراً لأنها من تعمل وهو عاطل بمزاجه كان يعتمد عليها عشرين سنة والآن على زوجة أخرى. فهي أصبحت بلا مأوى ومع أطفال لن تفرط فيهم وعملها وراتبها لا يغطي شيئاً مما تنوء به قائمة مديونياتها من إيجار وأقساط وتموين لا تنتهي.
الظلم ظلمات يوم القيامة، لكن الرجل الظالم مع قصور أنظمتنا وتمسكها ببيروقراطية لا تعي منطلقها، يترك مئات الآلاف من نسائنا تحت رحمة صروف دهر غير مقبول أن تستمر إلى يومنا هذا وما نراه على أرض الواقع يتنافى مع العدل جملة وتفصيلاً.
تحتاج أنظمتنا إلى مراجعة الكثير وإيجاد الحلول السريعة للكثير من المآسي التي نشاهدها يومياً ليس بالاستثناء والمكرمات الموقتة وإنما بتغيير القوانين وإنفاذ القرارات التي تشارك فيها المرأة قانونية وشرعية وأخصائية اجتماعية وعالمة اجتماع ونفس واقتصاد وإدارة حتى نضمن سيادة العدل والحياة الكريمة لها.
المصدر:
جريدة الرياض
الثلاثاء 9 رجب 1436 هـ - 28 أبريل 2015م - العدد 17109, صفحة رقم ( 31 )