مقاربة ما بين الدستور السوري وبعض القوانين المحلية: دراسة قانونية

المصدر: 
نساء سورية
تبحث هذه المقالة اهم القوانين السورية التي يقع في طياتها أحكام غير متوافقة مع الدستور السوري, مثل قانون الاحوال الشخصية وقانون العقوبات, وبالتالي, وفقا لكاتبة المقال, يجب تعديلها أو إلغاؤها كاملة كل حسب درجة مخالفته للدستور (شبكة نساء في ظل قوانين المسلمين)
كتبت المحامية امل يونس:من أهم المهام على الدساتير الحديثة بناء مؤسسات ديمقراطية لتكون دعامة حقيقية لمجتمع مستقر وتكرس سيادة القانون واحترامه وتفعيل الرقابة المؤسسية الفاعلة المستندة إلى القوانين والدستور معاً.

دستورنا السوري صدر بالمرسوم 208 لعام 1973 المقر نتيجة الاستفتاء العام بتاريخ 12/3/1973. يقع في 156 مادة. إضافة لمنطلقات رئيسية أهمها أن الحرية حق مقدس، والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً قادراً على العطاء والبناء، وقادراً على الدفاع عن الوطن. والمواطن الحر هو الذي يصون الوطن الحر ولابد من تحرره الاقتصادي والاجتماعي.

وانطلاقاً من أن هذا الدستور هو دليل للعمل أمام جماهير الشعب لتواصل معركة التحرير والبناء ونحو المستقبل المنشود ومن أنه، حسب المادة 153، يجب أن تعدل التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان الدستور بما يتوافق مع أحكامه، نبحث أهم القوانين التي يقع في طياتها أحكام غير متوافقة مع الدستور وبالتالي يجب تعديلها أو إلغاؤها كاملة كل حسب درجة مخالفته للدستور.

أولا: قانون الأحوال الشخصية الصادر عام /53/ معتمداً على قانون حقوق العائلة العثماني وغيره من المصادر البالغة القدم مع الأخذ بالمذهب الحنفي في كل ما لم يرد فيه نص بالقانون.

وهذا القانون، بغالبية مواده، فيه مخالفة لمواد الدستور. لاسيما المادة /25/ المتعلقة بالمساواة والحرية ومبدأ تكافؤ الفرص. والمادة /44/ – المتعلقة بحماية الأسرة وإزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوق الزواج وتحمي الأمومة والطفولة. والمادة /45/ أيضاً التي تنص على إزالة القيود التي تمنع تطور مساهمة المرأه الفعالة ومشاركتها في بناء المجتمع.

فقانون الأحوال الشخصية، كما لم يعد يخفي على أحد منا، أصبح أكبر عقبه أمام تحقيق ذلك.

يتجلى هذا في كل مواده منذ إنشاء عقد الزواج وضرورة موافقة الولي إلى الزواج المبكر.. إلى كافة مواد الطلاق لاسيما الطلاق بإرادة منفردة وتعدد الزوجات وحالات التفريق كافة. حيث تقع المرأة فيها تحت وطأة إجراءات طويلة ومعقدة وتحت رحمة حكمين غالبا غير مؤهلين لهكذا مهمة -ومفاعيل الطلاق الرجعي والعدة- إلى مواد الحضانة وإسقاط حق الزوجة في الحضانة عند زواجها من غير قريب محرم للمحضون وحرمانها من منزل الزوجية من منزل الزوجية (و قد تكون أفنت عمرها في بناءه) مع ملاحظة جدا هامة أن هذا مناف لمقاصد الشريعة نفسها والعدالة. وهذا ما رآه الإمام مالك في حق الزوجة في ممتلكات الأسرة استنادا للآية الكريمة "للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن"..

وكذلك عدم التوارث مع اختلاف الدين والشهادة الناقصة للمرأة.. والولاية حيث المرأة، من الميلاد حتى الممات، لا تستطيع أن تكون ولية نفسها. وحق السفر بأطفالها.. إلى الإرث..

مثال: الحصة الإرثية عندما يكون النوع الشرعي للعقار ملك تكون للذكر مثل حظ الأنثيين.. أما حين يكون النوع الشرعي للعقار أميري فللذكر مثل الأنثى..! وهذا معمول به منذ العهد العثماني حيث كانت رقبة الأرض للسلطان والمنفعة للفلاح.. وحيث أن المرأة أكثر من يعمل في الأرض كان نصيبها كما الرجل.. وهذا يتلاءم مع مقاصد الشريعة وإنسانية الإنسان.

ومفاعيل المهر وآثاره, وعدم السماح بزواج المسلمة بغير المسلم عكس المسلم الذي يحق له الزواج من غير المسلمة وهم الذين جاء النص الديني على أنهم سواسية.. وبالتالي عدم الاعتراف بأولاد هذا الزواج واعتباره كأنه لم يكن..! فكيف بنا لا نعترف بطفل والده معروف و أمه معروفة؟! وما ذنب الطفل في مثل هذه الحالة؟!

الدستور كفل أن يربى الطفل في أسرته – مادة44- فقرة2: تحمي الدولة الطفولة والأمومة.!

إلى عمل المرأة دون إذن زوجها و نتائجه، وإجبارها على السفر معه، وغيرها من المواد..

بالنتيجة فإن قانون الأحوال الشخصية السوري من أهم آليات إخضاع المرأة وقهرها في إطار العلاقات الأسرية. ولا يتلاءم هذا مع مواد الدستور السوري. وهناك أيضاً فجوة عميقة بينه وبين الواقع المعاش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. بل أصبح يشكل عقبة أمام مساهمة المرأة في النتيجة الاجتماعية.. ويتسبب في زيادة معدلات العنف داخل الأسرة، وارتفاع نسب الطلاق..

وهذا يستوجب إصدار تشريع جديد بقانون أسرة عصري يحمي الأسرة بكافة أطرافها ويصون حياتها ويؤسس لزواج مدني بكل آثاره؛ منطلقاً من أن العقد شريعة المتعاقدين. متضمناً تعديل وإلغاء لكل المواد المذكورة.

ويجب أن يتضمن قانون الأسرة هذا نصاً واضحاً لحماية المرأة من العنف الأسري، ويعاقب فاعله وكل من يساهم فيه. وحماية حق المرأة في أموال الأسرة. وتأمين صندوق للنفقة. وحق المرأة في الولاية على نفسها وعلى أولادها.

ثانيا: قانون العقوبات السوري

تبعاً للدستور السوري.. المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

وما نراه في القانون وفي المواد المتعلقة بالزنا هو أن العقوبة حددت وفق مكان الجرم وجعلت للجرم الواحد عقوبتين: للرجل سنة وللمرأة سنتين! وأعطت للولي حق الادعاء! والمواد 523/527/544 المتعلقة بالإجهاض واقتناء مواد مانعة للحمل وجعله فعل يستوجب العقاب لا تتلاءم مع التحدي السكاني ومع قواعد تنظيم الأسرة السورية.

وحسب الدستور لكل جرم عقاب. أما المادة548 فقد جعلت من إجرام الرجل وقتل زوجته أو أحد أصوله أو فروعه جرم بدون عقاب! وهذا اكبر عنف قانوني بحق المجتمع ومبدأ سيادة القانون..!

والمادة الأخطر في قانون العقوبات السوري هي المادة 508 التي تبيح فيها عقد زواج صحيح بين مرتكب الجرائم التالية (الاغتصاب غير الزوجي، مجامعة قاصر، الأفعال المنافية للحشمة، اغتصاب زوجة سجين أو موقوف، الخطف، الأغواء) وبين المعتدى عليها،يوقف الملاحقة للجاني!

هذه المادة عطلت مبدأ معاقبة الجاني على فعلته وكافأته بالزواج من ضحيته!!

وهذه مخالفة صريحة للدستور(لكل جريمة عقاب)!!

هذا كله يجعل القانون بحاجة للتغيير.



الطفولة في الدستور والقوانين المحلية

النص الوحيد في الدستور الذي ذكر الطفولة هو المادة /44/، الفقرة الثانية: تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشأ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.

ورغم قصور هذا النص وعموميته فإن الحماية المنصوص عليها تشمل كافة أنواع الحماية: الصحية والنفسية والتعليمية والقانونية. وظروف عمل مناسبة ودور للعب واللهو.. وغيرها كثير.

ونرى في تشريعاتنا المحلية قصور عن تأمين أي نوع من هذه الأمور: فمثلاً نص قانون العقوبات العام في مادته /484/ على عقاب من يطرح أو يسيب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص عاجز، بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنة..! وعلى ارض الواقع نرى الطفولة مبعثرة في الشوارع وساحاتها تبيع الأكياس وعلب الدخان وغيره ونبش القمامة في أقسى الظروف وأخطرها! فأين التطبيق الفعلي للنص؟!

إضافة إلى أن حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي تتطلب جعل القانون يعاقب على استخدامهم في أي عمل من شأنه إفساد أخلاقهم والضار بصحتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموهم الطبيعي. مع ضرورة فرض حد أدنى لسن التشغيل.

في قوانينا المحلية نجد وفق قانون العمل الموحد لعام 1959، وبعد التعديل: السن الدنيا للتشغيل 15سنة للحدث، مع السماح للوزير بالمنع حتى سن 16 سنة في بعض الصناعات!! والأخرى إلى 18!! وبالمقابل له حق السماح للعمل ما بين 13 و15 سنة للأعمال الخفيفة التي لا تضر بصحتهم!! وكذلك مع إمكانية العمل في الأماكن الصعبة في حال الحصول على تذاكر من مكتب الصحة بإمكانية القيام بالأعمال لتوفر القدرة!!

والعقاب على مخالف هذه النصوص هو الغرامة 1000ل/س!!!

أما في قانون العلاقات الزراعية الجديد نص على منع تشغيل الأحداث قبل إتمامها الخامسة عشرة من عمرهم وبشرط موافقة ذويهم الخطية، الأب أو الأم عند غياب الأب، أو الأصول أو الوصي الشرعي عند غياب الاثنين! والعقاب في حال المخالفة 1000 ل/س!!

أما في القانون رقم 50 لعام 2004 للعاملين في الدولة، فقد أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قرارا حددت بموجبه منع تشغيل الأحداث قبل تمام سن الخامسة عشرة. مع إضافة جديدة بضرورة إخضاع الأحداث إلى فحص طبي عند بداية التحاقهم بالعمل للتأكد من لياقتهم للعمل (ولم يحدد القرار من الجهة المخولة بالفحص)! ويعاد الفحص سنويا حتى إتمام 18 سنة.

المقترح القانوني لتحديد السن الدنيا للتشغيل هو توحيد السن في كافة تشريعاتنا. وجعلها بما يتلاءم مع مصلحة الحدث في إتمام نموه واستمرار بقائه، والنص على ذلك صراحة دون ترك المجال لموافقة الأهل أو الوزير. حيث مصلحة الطفل الفضلى هي الأساس وليس القدرة أو عدمها. وجعلها تمام الثامنة عشرة وفق المعايير الدولية. وتعديل الجزاء بحيث يتلاءم مع قاعدة جبر الضرر المترتب وتحقيقا لمبدأ العدالة القانونية. وهو فعل جنحوي الوصف يستلزم العقاب بالحبس ما بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع إغلاق المحل الذي عمل فيه الحدث لمدة سنة. وذلك لردع ظاهرة خطيرة عن جيل ناشئ وبنية مجتمعية بأسرها مع ضرورة تطبيق العقوبة الجزائية المنصوص عليها بقانون إلزامية التعليم للحد من ظاهرة التسرب من المدارس. مع ملاحظة جدا هامة هي أن مكاتب التشغيل سببت أذى نفسياً ومعنوياً ومادياً لعشرات الآلاف من الشباب، ولم تنعكس إيجابياً على الجهات العامة التي كانت بحاجة إلى عاملين.. بل أصبحت سبب بطالة ولم تحل مشكلة البطالة أو تساهم في حلها.

والمقترح هو إنشاء هيئة وطنية لحماية الطفولة ومكافحة عمالة الأطفال ذات شخصية اعتبارية تملك صلاحيات واسعة في الادعاء وتوفير وسائل الحماية.