حماية النساء في حالات الطوارئ
لم يغب الدمار الذي خلفه إعصار هايان في الفلبين عن أذهان قادة عالم المساعدات الدولية الذين اجتمعوا في لانكستر هاوس في لندن لمناقشة حماية النساء والفتيات أثناء حالات الطوارئ. إذ تعاني النساء والفتيات في المناطق التي ضربها الإعصار- واللائي كن في بعض الأحيان الناجيات الوحيدات في عائلاتهن- من أجل الحصول على المساعدات الأساسية في حالة من التدهور الأمني. وقال المتحدثون أن هذه هي اللحظة التي يحتاج فيها المستجيبون إلى توفير الحماية– أي منذ الساعات الأولى لحالة الطوارئ.
ويهدف هذا الاجتماع، الذي يمثل حدثاً رفيع المستوى للحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمجتمع المدني، إلى الوصول إلى اتفاق بشأن "نهج أساسي جديد لحماية الفتيات والنساء فيحالات الطوارئ، سواء الناجمة عن كوارث طبيعية أو بفعل البشر".
ولكن أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تحدث عن مدى صعوبة تغيير ثقافة العمل في هذا المجال لجعل العاملين في المجال الإنساني يفهمون أن الحماية هي جزء أساسي من العمل الإنساني.
وأضاف قائلاً: "نحن بحاجة للقيام بشيء قوي لتغيير المواقف النفسية لموظفينا على أرض الواقع. ففي حالات الطوارئ يميل الناس إلى القول بأن أهم شيء هو إنقاذ الأرواح من خلال تحريك الشاحنات وجلب الخيام وتوفير المياه وتوزيع الطعام. ولكن التأكد من أن الشواغل الخاصة بالحماية الأساسية تقع في صلب الاستجابة للطوارئ هو على نفس القدر من الأهمية".
تغيير أسلوب تقديم المساعدات ووضع ذلك في الاعتبار يؤثر على الطريقة التي يتم بها تصميم أماكن الإقامة المؤقتة. فعلى سبيل المثال، تتحسن سلامة النساء عندما يتمكنّ من الوصول إلى مراحيض وحمامات منفصلة توفر لهن الخصوصية وتكون مزودة بأبواب يمكن غلقها، وأيضاً عندما لا يضطررن إلى المشي لمسافات طويلة في طرق مظلمة لاستخدام الحمامات ليلاً. وبالمثل، يتحسن أمن النساء عندما يكون لديهن مرافق للطهي لا تضطرهن إلى السفر لمسافات بعيدة، في مناطق معزولة، للبحث عن الحطب.
وتؤثر هذه الاعتبارات على طريقة تنظيم المساعدات.
وتحدثت إيرثارين كازن، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، التي تركت الاجتماع مبكراً لتسافر إلى الفلبين- بحماس عن الحاجة إلى تصحيح طريقة توزيع الطعام.
وأضافت أنه "إذا حدث انخفاض في كمية الغذاء، فإننا نعرف أن النساء لا يستطعن الوصول إلى الغذاء بسرعة كافية ونتيجة لذلك يتم اجبارهن على اتخاذ قرارات صعبة بشأن ما الذي سيقدمنه إلى الرجال في مقابل الغذاء. ولو كان التوزيع يتم عن طريق القسيمة فعلينا أن نقوم بحماية النساء حتى يحصلن على القسائم لأنه في حالات كثيرة إذا ذهبت القسائم إلى الرجال فإن النساء يجبرن على تقديم تنازلات للحصول على القسائم التي يحتجن إليها لتوفير الطعام لأطفالهن".
وتؤثر تلك القضايا أيضاً على ما يتم تحميله على الطائرات التي تقوم بتسليم المساعدات. فمن بين المستلزمات التي تقوم المملكة المتحدة بإرسالها إلى الفلبين مصابيح الطاقة الشمسية التي يمكنها شحن الهواتف النقالة. فتلك المصابيح تجعل النساء يشعرن بالأمان أكثر بعد حلول الظلام وتمكنهن من الاتصال لطلب المساعدة إذا شعرن بالتهديد.
وقد تناول العديد من المتحدثين الحاجة إلى إدراج خدمات الصحة الانجابية في حالات الطوارئ. وقالت جوستين جرينينج، وزيرة الدولة للتنمية الدولية في المملكة المتحدة، أنه من "المهم للغاية تقديم الخدمات التي تساعد على انقاذ الأرواح التي تحتاجها النساء فعلاً مقابل تلك الخدمات التي نشعر بالراحة أكثر عند تقديمها. وتعتبر وسائل منع الحمل والحماية وعلاج فيروس نقص المناعة البشري والأمراض الأخرى المنقولة جنسياً من الخدمات التي تسهم في انقاذ الأرواح. مع ذلك، فإنه غالباً ما يتم تجاهلها في الاستجابات الإنسانية".
وقد أصدر اجتماع لندن بياناً أكد على التزام جميع الأطراف بتعزيز جهود حماية الفتيات والنساء وعلى خلق بيئة آمنه لهن أثناء وبعد النزاعات والكوارث الطبيعية. وقد أصدر الاجتماع أيضاً خطة عمل مفصلة من عشر صفحات تضع فيها الحكومات والوكالات والمنظمات غير الحكومية التي حضرت الاجتماع اسماءها للقيام بإجراءات ووعود محددة: مثل منع العنف وزيادة أعداد الموظفين المتخصصين وتحسين القدرات ودعم الناجيات من الاغتصاب والعنف.
تهديد العنف الجنسي
والاغتصاب ليس الشكل الوحيد للعنف الذي يهدد النساء والفتيات الضعيفات، ولكنه أحد أشكال العنف الأكثر تطرفاً، ويمكنه التأثير على حياة الضحايا وعلى أسرهن لفترة طويلة بعد وقوع الاعتداء.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت جيدي* وهي إحدى الناجيات من العنف في شمال أوغندا أن "الناس يقولون أنهم سيساعدوننا ولكنهم ليسوا فعلاً أصدقاء. فهم يريدون أن يستغلونك فقط ثم يتخلون عنك. يجعلونك خادمة المنزل، تطهين الطعام وتأخذين الأطفال إلى المدرسة وأحياناً تصبحين هدفاً للإشباع الجنسي بالنسبة للرجال في ذلك المنزل".
ويمكن للخوف من الاغتصاب أن يجعل النساء أيضاً ضعيفات وأن يدفعهن إلى تبني استراتيجيات تكيف تسبب لهن المشاكل. ففي شريط فيديو مسجل مسبقاً قالت لاجئات سوريات في لبنان أن الخوف الأشد من القصف هو الخوف مما قد يحدث لبناتهن. وهذا ما دفعهن في النهاية إلى ترك الوطن. وقال العاملون في مجال الإغاثة أن العديد من اللاجئات أجبرن على الزواج وهن قاصرات لأن ذويهن اعتقدوا أن هذا سوف يحميهن من الاغتصاب إذ أن العازبات مستهدفات أكثر من النساء المتزوجات.
"لقد فشلنا"
وكان المتحدثون في الاجتماع يتحدثون بلباقة وكانت الحجج مقنعة ولكن هل سيحدث ذلك فرقاً؟ وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قالت زينب حوا بانجورا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف الجنسي في النزاعات أنها كانت تأمل أن يحدث ذلك فرقاً.
وأضافت قائلة: "أعتقد أن هناك ادراك بأننا كمجتمع دولي ووكالات للأمم المتحدة وجهات مانحة ومنظمات غير حكومية قد فشلنا. فلم نستطع أن نرى تلك المشكلات التي أمامنا مباشرة. وهذا جيد لأن الناس يدركون ذلك يطرحون حلولاً أساسية وعملية جداً من أجل حماية النساء. وعلى مستوى السياسات فإننا والقيادات أدركنا الفجوات ولكن التحدي الكبير هو التنفيذ على أرض الواقع حيث سيتم إحداث الفرق".
وكحال الجميع في الاجتماع، شعرت بانجورا بالهلع جراء ما حدث في الفلبين، وعن ذلك قالت: "عندما تدير جهاز التلفاز ترى أعداد الأطفال الذين تعرضوا للضرر وهي أعداد أكبر من قدرتك على التخيل. فما الذي تفعله لهؤلاء الأطفال؟ وكيف يمكنك أن تحميهم؟ وكيف يمكنك التأكد من أنهم قادرين على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى والذهاب إلى المدرسة وأن الرحلة إلى المدرسة أو للحصول على الطعام لن تعرض حياتهم للخطر؟ فهناك عدد كبير من الأطفال والأمر يفطر القلب ومؤلم بالنسبة لي".
وتعتبر الصور القادمة من تاكلوبان، وهي إحدى المدن التي ضربها اعصار هايان بشدة، مؤثرة خصوصاً لهؤلاء الذي مروا بتجارب العنف والنزاعات. وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال جوليان لوسينج من صندوق المرأة الكونغولية: "نشعر بالخوف عليهم لأننا من بلاد عانت لمدة عشرات السنين من العنف ضد المرأة وعندما نرى ذلك يحدث في منطقة أخرى نقول: آه هذه نهايتهم! سوف يحدث لهم الشيء نفسه. وهذا يجعلنا منزعجين جداً".
وشاهدت جيدي أيضاً صور الإعصار وعن ذلك قالت: "تعاني النساء في جميع أنحاء العالم. حسناً، على الأقل النساء في الفلبين يظهرن على شاشات التلفاز، ولكن في البلاد التي جئت منها لا يظهر الناس على التلفاز ولكنهم يعانون ولا يتم أبداً الإشارة إليهم. حتى الرجال يعانون. إنهم يعانون في صمت".
* ليس اسماً حقيقياً