كردستان العراق: الفتيات والنساء يعانين من مضاعفات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية
(إربيل،) - قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن أعداد كبيرة من الفتيات والنساء في إقليم كردستان العراق يعانين من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وما لهذه الممارسة من آثار مدمرة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على حكومة إقليم كردستان أن تتحرك على الفور لوضع حد لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ولإعداد خطة طويلة الأجل للقضاء على هذه الممارسة، بما في ذلك إصدار قانون لحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. تقرير "أخذوني ولم يخبروني بشيء: تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في كردستان العراق" الذي جاء في 73 صفحة، يوثق تجارب الفتيات الصغيرات والنساء اللاتي تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، على خلفية تلقي رسائل متعارضة مربكة من بعض القيادات الدينية والعاملين بالرعاية الصحية بشأن مشروعية وسلامة هذه الممارسة. ويصف التقرير حالة الألم والخوف التي تتعرض لها الفتيات والنساء الشابات أثناء العملية، والآثار المروعة على صحتهن النفسية والبدنية. ويقول التقرير إن الحكومة الإقليمية لم تبد الاستعداد لحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، رغم استعدادها للتصدي لأشكال العنف الأخرى ضد المرأة، ومنها العنف الأسري وما يُدعى "جرائم الشرف".
وقالت نادية خليفة، باحثة قسم حقوق المرأة المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ينتهك حقوق المرأة والطفل، بما في ذلك حقوقهن في الحياة والصحة وسلامة الجسد". وتابعت: "لقد حان الوقت كي تتصدى الحكومة الإقليمية لهذه المشكلة وتتحرك تحركات ملموسة من أجل القضاء على هذه العادة الضارة، لأنها ببساطة لن تختفي وحدها دون تدخل".
باحثو هيومن رايتس ووتش أجروا مقابلات أثناء شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2009، مع 31 فتاة وامرأة في أربع قرى في شمال العراق وفي بلدة حلبجة. كما قابل الباحثون عدداً من رجال الدين المسلمين وقابلات وعاملين بالرعاية الصحية ومسؤولين حكوميين. وتقول المنظمات غير الحكومية الموجودة هناك إن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ربما يُمارس أيضاً في مجتمعات محلية أخرى في شتى أنحاء العراق، لكن لا توجد معلومات عن مدى انتشار هذه الظاهرة خارج منطقة كردستان.
وليس معروفاً مدى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في كردستان العراق بما أن الحكومة لا تجمع المعلومات عن هذه الممارسة بشكل دوري. لكن البحوث التي أجرتها منظمات محلية تشير إلى أن الممارسة منتشرة وتؤثر على أعداد كبيرة من النساء والفتيات.
المعلومات التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن العديد من الفتيات والنساء في كردستان العراق يتعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية كإجراء لا مفر منه، ويتعرضن له في أعمار تتراوح بين 3 إلى 12 عاماً. وفي بعض الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، كانت الضغوط المجتمعية تؤدي بالنساء البالغات للخضوع للعملية، وأحياناً كشرط من أجل إتمام الزواج.
وقابلت هيومن رايتس ووتش جولا، الطالبة البالغة من العمر 17 عاماً، من قرية بلانجان. قالت جولا لـ هيومن رايتس ووتش: "أذكر عندما أخذتني أمي وزوجة أخيها نحن الاثنتين، وكانت هناك أربع فتيات أخريات. ذهبنا إلى سركبكان لإجراء العملية. وضعونا في دورة مياه، وباعدوا ما بين أرجلنا ثم قطعوا شيئاً ما. فعلوها بنا بالدور واحدة وراء الأخرى دون مخدر. كنت خائفة، لكنني تحملت الألم... ويأتيني ألم بالغ في هذه المنطقة التي قطعوا منها كلما جاءتني دورتي الشهرية".
ووصفت الفتيات والنساء كيف اصطحبتهن أمهاتهن إلى منزل قابلة القرية، التي تمارس عملها دون ترخيص. ولم يتم إخبار أي منهن تقريباً ما سيحدث لهن قبل العملية. وعندما وصلن، كانت القابلة تباعد ما بين أرجلهن - بمساعدة الأم أحياناً - وتقطع البظر بشفرة حلاقة. وكثيراً ما كانت القابلة تستخدم نفس الشفرة على عدة فتيات واحدة وراء الأخرى.
وقال أطباء في كردستان العراق لـ هيومن رايتس ووتش إن النوع الأكثر انتشاراً من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المُعتقد أنه يُمارس هناك هو الإزالة الكلية أو الجزئية للبظر و/أو القلف، وهو نوع التشويه المعروف باستئصال البظر. وقال عاملون بالرعاية الصحية إنه يوجد إجراء أكثر قسوة يُستخدم أحياناً على النساء البالغات في المستشفيات. وهذه الممارسة لا غرض طبي منها ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات بدنية ونفسية جسيمة.
وكانت الحكومة الإقليمية السابقة قد اتخذت بعض الخطوات للتصدي لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وشمل ذلك قرار صدر عن وزارة العدل عام 2007 يُفترض أنه مُلزم لجميع مراكز الشرطة، مفاده أن من يرتكب تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية يجب أن يُقبض عليه ويُعاقب. لكن هذا القرار ليس معروفاً على نطاق واسع، ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة حول تنفيذه بعد.
وفي عام 2008، دعم أغلب نواب المجلس الوطني الكردستاني إدخال قانون جديد يحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، لكن المشروع لميتحول إلى قانون، ووضعه الحالي غير معروف. وفي مطلع عام 2009 أعدت وزارة الصحة إستراتيجية شاملة لمكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بالتعاون مع منظمة غير حكومية. لكن الوزارة قامت فيما بعد بسحب دعمها وأوقفت جهود مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. كما وتأخرت حملة كانت مقررة للتوعية بشأن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وآثارها دون إبداء أسباب.
لم تتخذ الحكومة الجديدة المُنتخبة في يوليو/تموز 2009 أية خطوات للقضاء على هذه الممارسة.
إن أصول ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية غير واضحة في كردستان العراق. بعض الفتيات والنساء اللاتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش قيل لهن إن أصل الممارسة هو الاعتقاد بأن أي شيء تلمسه المرأة غير المختونة يصبح غير نظيف، إلى أن تخضع الفتاة أو المرأة لهذه العملية المؤلمة، فيما قالت أخريات إن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية عادة قديمة. أغلب النساء أشرن إلى هذه العملية على أنها سنة إسلامية مُتبعة، بصفتها إجراء يُتخذ لتعزيز إيمان المرأة، لكنها غير مُلزمة.
وقد رفض الكثير من علماء المسلمين ورجال الدين الإسلامي الربط بين تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والإسلام، ويقولون بأن هذه الممارسة غير واردة في القرآن وأنها تعارض تعاليم الإسلام. النساء والفتيات اللاتي تمت مقابلتهن قلن إنهن تلقين رسائل متعارضة ومربكة من رجال الدين بشأن صلة هذه العادة بالواجبات الدينية. وقال رجال الدين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنه عندما تُعرِّض أية سنة حياة الناس للخطر، فمن الواجب على رجال الدين الأمر بوقفها.
العاملون بالرعاية الصحية الذين تمت مقابلتهم كانت ردودهم متنوعة، سواء فيما يتعلق بقلقهم إزاء مضار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، أو فيما يخص التزامهم بتوعية الناس بشأن مخاطر هذه الممارسة.
ومؤخراً تم إجراء دراستين لمحاولة معرفة مدى انتشار هذه العادة. في يناير/كانون الثاني 2009، أجرت وزارة حقوق الإنسان السابقة، قبل الانتخابات، دراسة في منطقة شمشمال على عينة من 521 طالبة، في أعمار تتراوح بين 11 و24 عاماً. وخلصت الدراسة إلى أن 40.7 في المائة من العينة خضعت للعملية - 23 في المائة من الفتيات تحت 13 عاماً، و45 في المائة من الفتيات في سن 14 عاماً وأكبر.
وفي عام 2010، نشرت منظمة المساعدة في الأزمات والتعاون التنموي (وادي) - وهي منظمة حقوقية غير حكومية ألمانية عراقية - نتائج دراسة أجريت بين سبتمبر/أيلول 2007 ومايو/أيار 2008، في مناطق إربيل والسليمانية وجرمين/كركوك. أجريت مقابلات مع 1408 امرأة وفتاة في أعمار 14 عاماً وأكبر، وخلصت إلى أن 72.7 في المائة من العينة خضعن للعملية - 77.9 في المائة في السليمانية، 81.2 في المائة في جرمين، و63 في المائة في إربيل.
بما كان السبب وراء النسبة الأعلى هو اتساع الفئة العمرية للفتيات والنساء اللاتي أجريت معهن المقابلات. إذ كانت النسبة 57 في المائة فيما يخص الفتيات من 14 إلى 18 عاماً ضمن هذه العينة.
ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات الإقليمية إلى إعداد خطة طويلة الأجل يتم إشراك الحكومة فيها، وكذلك العاملين بالرعاية الصحية ورجال الدين والمجتمعات المحلية، في محاولة للقضاء على هذه الممارسة. وأكدت أن تشمل الخطة قانوناً لحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على الأطفال والنساء البالغات اللاتي لا يوافقن على إجراء العملية، وأن تشمل الخطة أيضاً برامج للتوعية بشأن المخاطر الصحية للممارسة، مع ضم مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إلى السياسات والبرامج الخاصة بالصحة الإنجابية والتعليم ومحو الأمية.
كما أن على الحكومة التعاون مع المجتمعات المحلية والأفراد من أجل التأثير على هذه المجتمعات لتشجيعها على النقاش حول الممارسة بين الرجال والنساء والأطفال، على أن يشمل ذلك حملات توعية وتعليم للحقوق الإنسانية للنساء والفتيات، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقالت نادية خليفة: "ليس على الحكومة فقط أن تتحرك لإنهاء هذه الممارسة، بل عليها أيضاً العمل على تأكيد وجود معيار جديد في أوساط الرأي العام، وهو الالتزام بعدم تشويه الفتيات".
وقالت نادية خليفة: "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية عملية معقدة، لكن أضرارها على الفتيات والنساء واضحة جلية". وأضافت: "القضاء عليها في كردستان العراق يتطلب إرادة قوية ومبادرة قيادية من جانب الحكومة الإقليمية، بما في ذلك توصيل رسالة واضحة مفادها أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية هو إجراء لن يتم التسامح معه مطلقاً من الآن فصاعداً".
تقرير هيومن رايتس ووتش / إقليم كردستان العراق: الفتيات والنساء يعانين من مضاعفات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية( 2 – 7 )
"أخذوني ولم يخبروني بشيء"
ملخص
أذكر عندما أخذتني أمي وزوجة أخيها نحن الاثنتين، وكانت هناك أربع فتيات أخريات. ذهبنا إلى سركبكان لإجراء العملية. وضعونا في دورة مياه، وباعدوا ما بين أرجلنا ثم قطعوا شيئاً ما. فعلوها بنا بالدور واحدة وراء الأخرى دون مخدر. كنت خائفة، لكنني تحملت الألم. لم يكن هنالك ما يخفف عنّا الألم. لازمني إحساس الألم لمدة أسبوع. وبعد ذلك أصبح خفيفاً. لم أذهب لطبيب. و[هم] لم يهتموا مطلقاً. ويأتيني ألم بالغ في هذه المنطقة التي قطعوا منها كلما جاءتني دورتي الشهرية.
- جولا س.، طالبة تبلغ من العمر 17 عاماً، بلانجان، 29 مايو/أيار 2009
أجرت وزارة حقوق الإنسان في كردستان العراق استطلاعاً في عام 2009 يظهر منه أن في إحدى المناطق بالإقليم تعرضت للختان أكثر من 40 في المائة من النساء والفتيات في الأعمار المتراوحة بين 11 و24 عاماً. وهناك استطلاع لمنظمة غير حكومية شمل مناطق أكثر، وجاءت نتائجه بأرقام أعلى. ممارسة تشوية الأعضاء التناسلية الأنثوية تشمل قطع أجزاء من البظر، وهي تُجرى عادة على الفتيات بين عمر 3 و12 عاماً بناء على طلب أقاربهن من النساء، وعادة ما تجريها قابلة باستخدام موسى حلاقة غير معقم. وكما أوضحت جولا س.، فإن الفتيات عادة ما لا يعرفن بما يحدث لهن، ويتعرضن لألم ممض أثناء العملية وبعدها، ويمكن أن تؤدي هذه العملية لآثار بدنية وجنسية ونفسية سلبية على المدى البعيد.
وفيما يعتبر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على المستوى الدولي أحد أشكال العنف ضد النساء والفتيات، فإن المأساة تتلخص في أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية يتم بناء على طلب الأمهات والعمات والخالات وغيرهن من النساء اللاتي يحببن أطفالهن ويرغبن في أفضل شيء لهن، ويرون هذه الممارسة كضمانة لزيادة فرصة الفتيات في الزواج، ويرون أنها تتفق مع مبادئ الإسلام، وتساعد في تنشئة الفتيات كي يصبحن عضوات محترمات في المجتمع الكردي.
تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية تحد صعب يواجه الحكومة والشعب في كردستان العراق. فهو قضية معقدة يصعب تناولها، والقضاء عليه يستلزم إرادة قوية من السلطات والشراكة مع مختلف أطياف الحياة السياسية والقيادات الدينية، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية، من أجل إحداث تغير مجتمعي. أولاً وقبل كل شيء، يحتاج القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إلى تحرك قيادات كردستان العراق ممن هم أصحاب تأثير ونفوذ من أجل الإقرار بأن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مشكلة، وأنها مشكلة يمكن حلها عبر التحرك الجاد على طريق تعزيز سمعة كردستان العراق بأنها ملتزمة اجتماعياً بحماية حقوق النساء والفتيات، والتحول لكون كردستان مجتمع إسلامي يمارس عقيدته الإسلامية دون إجراء عمليات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، كما هو الحال مع أغلب المجتمعات المسلمة في شتى أرجاء العالم.
وقد اتخذت سلطات كردستان العراق خطوات هامة على عدة أصعدة فيما يخص حقوق المرأة، وتُرى على أنها ذات رؤية تقدمية في المنطقة فيما يخص قضايا المرأة. حكومة إقليم كردستان أنشأت مؤسسات للتحقيق في ومكافحة العنف الأسري، وهي إحدى الحكومات القليلة في المنطقة التي أصدرت قوانين تحظر تخفيف الأحكام على ما يُدعى بـ"جرائم الشرف". وفي فبراير/شباط 2009 صدرت تعديلات على قانون الانتخابات في كردستان العراق تزيد من النسبة القانونية للمرأة في المجلس التشريعي من 25% إلى 30%. و36 من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 111 عضواً هم من النساء.
لكن السلطات المحلية لم تقم بعد بإظهار قدرتها على الإدارة الجيدة لمشكلة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. إذ لم يتم البناء على الخطوات الوئيدة المتخذة في السنوات السابقة، وأثناء الأعوام الأخيرة من إدارتها، ظهر تراجع في التزام الحكومة السابقة بالقضية. وفي عام 2007، أصدرت وزارة العدل قرارا ملزماً لجميع مراكز الشرطة في كردستان، بأن من يرتكب تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية يجب أن يتعرض للاعتقال والمعاقبة. لكن وجود هذا القرار ليس معروفاً على نطاق واسع في كردستان العراق، ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على أنه قد طُبق من الأساس.
ومؤخراً، أخفقت الحكومة الإقليمية السابقة في المضي قدماً على مسار إنفاذ قانون يحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، حتى رغم أن أغلبية أعضاء المجلس الوطني الكردستاني أيدوا عام 2008 مثل هذا القانون. لكن، وفيما يعتبر علامة على حساسية القضية، فقد رفضوا أيضاً مناقشة مشروع القانون علناً. وفي مطلع عام 2009، أعدت وزارة الصحة خطة شاملة لمكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بالتعاون مع إحدى المنظمات غير الحكومية. لكن بعدها، سحبت وزارة الصحة دعمها وأوقفت جهودها على مسار مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. كما أن الوزارة أتهمت المنظمة غير الحكومية المتعاونة معها بأنها تسيئ إلى سمعة كردستان. وبالفعل، فإن الخوف على سمعة كردستان كان من الأمور التي كشفت عنها لـ هيومن رايتس ووتش وزارة الصحة ووزارة الشؤون الدينية أثناء إعداد هذا التقرير.
ومن بوادر قصور أداء الحكومة بهذا المجال، الإخفاق في تقييم مدى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في كردستان العراق. فالحكومة لا تجمع بشكل منتظم الإحصاءات الخاصة بتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، سواء إحصاءات مدى انتشار الممارسة أو الإحصاءات الخاصة بآثارها السلبية. على سبيل المثال، لم يتم ضم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إلى استطلاع المؤشر التجميعي الذي أجرته الحكومة برعاية من اليونسيف (MICS ) والذي تم تنفيذه في عام 2006، أو استطلاع صحة الأسرة العراقية برعاية منظمة الصحة العالمية (IFHS) الذي تم إجراءه في كردستان عام 2007. لكن الاستطلاعين المذكورين في بداية هذا التقرير ذكرا وجود معدل مرتفع من ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. النتيجة التي توصلت إليها وزارة حقوق الإنسان بانتشار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بنسبة 40.7% جاءت بناء على استطلاع على 521 فتاة وامرأة في منطقة شمشمال. ويستند استطلاع غير حكومي آخر أجرته جمعية المساعدة في الأزمات وتنمية المساعدات WADI ويستند إلى عينة قوامها 1408 امرأة وفتاة في منطقتي إربيل والسليمانية، ومنطقة جرمين/كركوك الجديدة. إجمالاً خلص الاستطلاع إلى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بين الفتيات والنساء في الأعمار التي تتراوح بين 14 و19 عاماً في هذه المناطق، بنسبة 57 في المائة.
وإلى الآن، فإن السلطات أخفقت في إظهار وعيها بخطورة هذه النتائج. فقد تمت مقابلة عدة مسؤولين حكوميين أثناء إعداد هذا التقرير، منهم وزير الصحة السابق ووزير الشؤون الدينية السابق، وأصروا على أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مشكلة منعزلة، مما يوحي بأنهم يجدون صعوبة في تقبل التحدي الذي تفرضه مشكلة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.
وتعرف منظمة الصحة العالمية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على أنه "أي إجراء يشمل الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة أو الإضرار بالأعضاء التناسلية للمرأة لأسباب غير طبية" وعددت أربعة أنواع من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، تتراوح بين استئصال البظر (النوع الأول) إلى الختان التخييطي، وهو أقسى الأنواع، ويشمل استئصال الأعضاء التناسلية الخارجية (الشفرين الصغيرين والشفرين الكبيرين)، مع غرز/تضييق الفوهة المهبلية (النوع الثالث). وتُقدر المنظمة أن ما يتراوح بين 100 إلى 140 مليون فتاة وامرأة في شتى أنحاء العالم تعرضن بالفعل لعملية استئصال وأن هناك حالياً نحو 3 ملايين فتاة، أغلبهن تحت سن 15 عاماً، يتعرضن لعملية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية كل عام.
وبغض النظر عن الدوافع وراء هذه الممارسة، فهي عمل عنيف. لا يوجد مبرر طبي لها، ولا يمكن علاجها أو التعويض عنها ولها آثر دائم على الصحة البدنية والنفسية والجنسية للفتيات والنساء. وكما قالت نساء مثل جولا س. لـ هيومن رايتس ووتش، فإن الفتيات اللاتي يتعرض لهذه العملية يتم تقييدهن بالعنف، وتتم المباعدة ما بين أرجلهن، ويتم قطع جزء من أعضائهن التناسلية باستخدام شفرة. وعادة ما يتم استخدام الشفرة نفسها في قطع أجزاء من أعضاء عدة فتيات. ولا يتم استخدام التخدير قبل العملية أو بعدها، وإذا كان يوضع أي شيء على الجروح المفتوحة بعد العملية، فهو لا يزيد عن المياه أو الأعشاب أو زيت الطهي أو التراب.
وعلى مستوى العالم، وثقت البحوث الآثار المروعة لهذه الممارسة على صحة النساء. تتراوح بين النزيف الحاد والألم البالغ والعدوى والتشويه المستديم، وهذه بعض التبعات الصحية التي قد تتعرض لها الفتاة إثر العملية مباشرة وبعدها طوال حياتها. وأظهرت الدراسات في الآونة الأخيرة أن جميع أنواع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية تمثل خطراً بالغاً على النساء الحوامل أثناء الولادة، وتزيد من خطر وفاة الجنين أثناء الولادة. وقد يتعرض الأطفال المولودون للوفاة في مرحلة مبكرة من الحياة وتكون أوزانهم إثر الولادة مباشرة ضئيلة. وأفاد الأطباء الأكراد بأن أثر هذه الممارسة في كردستان لا يختلف. فحتى بعد أعوام من هذه العملية، قالت نساء تحدثت إليهن هيومن رايتس ووتش إنهن ما زلن مرهقات من ذكرى الألم والدم أثناء عملية تشويه الأعضاء التناسلية.
وقد سافرت هيومن رايتس ووتش إلى منطقة الحكم الذاتي الكردستانية في مايو/أيار 2009 لإجراء بحوث هذا التقرير، وقابلت فتيات ونساء تعرضن للعملية وقابلت أيضاً قابلات، وعاملين بالرعاية الصحية، ورجال دين، ومسؤولين بالمستشفيات، ومنظمات غير حكومية. كما قابلنا نساء تحدثنا إليهن عن آثار هذه الممارسة على حياتهن، وحاولنا استقصاء الآراء والتوصل إلى أسباب هذه الممارسة، وقابلنا ناشطات وآخريات يحاولن القضاء على الممارسة. لم تمتد زيارتنا للسكان الأكراد في العراق خارج منطقة الحُكم الذاتي، أو إلى المجتمعات الأخرى بالعراق، لكن المنظمات غير الحكومية هناك قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها تشتبه في وجود هذه الممارسة في مناطق أخرى من العراق.
ومن تحدثنا إليهم قدموا عدة أسباب لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في كردستان العراق. بعضهم دافعوا عن هذه الممارسة بصفتها "سنة" إسلامية (عمل غير مُلزم الغرض منه تعزيز التزام المرء دينياً). وقال لنا آخرون إن هذه الممارسة عادة قديمة ويتم إجراءها للحفاظ على الهوية الثقافية. لكن هناك آخرون قالوا إن الغرض هو السيطرة على رغبة المرأة الجنسية، لا سيما في المناخ الحار كحال كردستان العراق، فيما أشار آخرون إلى مشكلة عملية تتلخص في الضغوط الاجتماعية من أجل إجراء هذه الممارسة، على صلة بضرورة النقاء وتنشئة الفتيات كي يكبرن ويصبحن نساء مقبولات كزوجات وعضوات محترمات في المجتمع.
تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ليس أمراً مفروضاً بموجب أية ديانة. والإسلام هو الدين الغالب في كردستان العراق – لكن على مستوى العالم، لا يمارس أغلب المسلمون هذه الممارسة. ودولياً، فإن الكثير من كبار علماء الدين الإسلامي تحدثوا ضد هذه الممارسة، ومنهم العالم الراحل محمد سيد طنطاوي، شيخ جامعة الأزهر، وهي أكثر جامعة إسلامية تحظى بالاحترام في أوساط المسلمين السنة.
وقد تم الإقرار بتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية كقضية من قضايا حقوق الإنسان منذ أكثر من 20 عاماً. فهناك عدة هيئات بالأمم المتحدة وجهات أممية تراقب تنفيذ الالتزامات التعاقدية بموجب المواثيق الدولية وغيرها من مؤسسات حقوق الإنسان الدولية أصدرت قرارات وبيانات تدعو للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. وقامت بدعوة الحكومات – ضمن التزاماتها الحقوقية – بحماية حقوق النساء والفتيات عبر حظر هذه الممارسة. لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تبنت توصية عامة بشأن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية عام 1990 ودعت الدول الأطراف باتخاذ إجراءات بغية القضاء على هذه الممارسة ضمن خطط وسياسات الصحة الوطنية. وفي عام 2002 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بشأن الممارسات التي تؤثر سلباً على صحة المرأة ودعت الدول إلى تفعيل تشريعات وطنية للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ومقاضاة المخالفين. لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة حقوق الطفل، ولجنة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، اعتبرت جميعاً تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ممارسة تمييزية تؤثر بشكل مباشر على قدرة النساء والفتيات على الاستمتاع بحقوقهن الإنسانية. وجاهرت كل من لجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب بالقلق من ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وربطت بين هذه الممارسة والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة.
وقام العراق بالتوقيع على جميع معاهدات حقوق الإنسان الأساسية التي تحمي حقوق النساء والفتيات، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل. هذه المواثيق الدولية تفرض المسؤولية والمحاسبة على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، عن أية انتهاكات حقوقية تقع في كردستان العراق، ومن الانتهاكات، تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.
ويظهر من جهود القضاء على هذه الممارسة على المستوى الدولي أن خطط العمل الفعالة يجب أن تكون متعددة المسارات. فالأسر التي تعرض بناتها للختان لأنها تشعر بأن هذا هو الفعل الصحيح – هي أسر تعتقد أنها تساعد الفتيات كي يصبحن عضوات كاملات في المجتمع. كما تعتقد أن الفتيات اللاتي لا يتعرضن للختان قد يُعتبرن غير نظيفات أو لسن ذوات حظ وافر من فرص الزواج. التصدي لبواعث القلق هذه يتطلب من السلطات الكردستانية والأشخاص ذوي النفوذ والتأثير – من قيادات دينية إلى العاملين بالرعاية الصحية إلى المعلمين وقيادات المجتمع – إلى التعاون مع المجتمعات المحلية من أجل تشجيع النقاش حول هذه الممارسة بين الرجال والنساء والأطفال، على أن يشمل ذلك التوعية والفهم لحقوق النساء والفتيات الإنسانية، والكلفة الصحية والنفسية التي تتحملها الفتيات جراء هذه الممارسة. إدارة هذا النقاش المجتمعي تتطلب تحرك ملموس ومستديم من السلطات، مع العمل على مسارات متعددة، في تعاون وثيق مع منظمات المجتمع المدني. ويظهر من الممارسات العالمية مؤخراً أن من اللحظات المهمة على مسار مكافحة هذه الممارسة، هو تأكيد الرأي العام من قبل المجتمعات المحلية على أنها ملتزمة بشكل جماعي بوضع حد لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، مما يسمح للمجتمعات بإنشاء ميثاق جديد بشكل فعال – ميثاق عدم تشويه الأعضاء التناسلية لفتيات هذه المجتمعات.
يجب على السلطات أيضاً أن ترسل رسالة واضحة وعلنية مفادها أن هذه الممارسة غير قانونية، بأن تصدر تشريعاً يحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، فيما يخص الفتيات، والنساء غير القاصرات اللاتي لا يرغبن في إجراءها. ويجب صياغة تعريف واضح لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، مع ذكر أنها ممارسة محظورة بشكل واضح، مع ذكر محاسبة الجناة والعقابات بحقهم. ويجب أن يشمل التشريع أحكاماً تحمي النساء والفتيات المعرضات للخطر. وعلى حكومة إقليم كردستان أن تشتبك في دعم جهود المنظمات المحلية في القضاء على هذه الممارسة، وفي تعزيز قدرتها على التصدي للعنف ضد المرأة. وفي الوقت نفسه، على الحكومة العراقية أن تتعاون مع السلطات الإقليمية، من أجل دعم نشاطها بمجال القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وفي تطوير إستراتيجيتها الخاصة بها في القضاء على هذه الممارسة داخل دوائر الأقليات خارج منطقة الحكم الذاتي. ودون هذه الإجراءات، فسوف تستمر انتهاكات حقوق النساء والفتيات.
منهج التقرير
هذا التقرير يستند إلى بحوث ميدانية تم إجراءها في المناطق الشمالية من العراق المعروفة باسم كردستان العراق. تم إجراء 54 مقابلة في أربع قرى، كل اثنتان منهما في مناطق كردستان المعروفة باسم رانيا وجرمين، وفي بلدة حلبجة الجنوبية، في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2009.
منظمات المجتمع المدني الناشطة بمجال مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في كردستان العراق أشارت إلى أن هذه الممارسة قد تكون قائمة في أوساط الأكراد المقيمون في أجزاء أخرى من العراق وفي مجتمعات عراقية أخرى. لكن لا توجد معلومات كافية لتحديد ما إذا كانت هذه الممارسة منتشرة خارج منطقة الحكم الذاتي أم لا. ولم تحقق هيومن رايتس ووتش في مدى انتشار هذه الممارسة في أجزاء العراق الأخرى، لأنه لا توجد حتى الآن أية بيانات عن هذه الممارسة في مناطق العراق الأخرى.
وأثناء التحقيق الذي دام 10 أيام، أجرت باحثتين مقابلات مع 31 فتاة وامرأة تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية. وشملت البحوث مقابلات مع عاملين بالمجال الصحي، وقابلات، وعلماء دين إسلامي. وتم عقد مقابلات أيضاً مع وزير الوقف والشؤون الإسلامية في حكومة إقليم كردستان، محمد أحمد سعيد شاكلي، ومع وزير الصحة السابق، عبد الرحمن عثمان يونس، ووزير حقوق الإنسان في ذلك الحين، يوسف عزيز، والرئيسة السابقة للجنة المرأة الخاصة في المجلس الوطني الكردستاني، بكشان زانجانا، في العاصمة الإقليمية إربيل.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع نساء وقابلات باللغة الكردية بمساعدة مترجمات. والمقابلات مع المسؤولين ورجال الدين تمت باللغتين العربية والإنجليزية.
تم إجراء بعض المقابلات في بيوت النساء والقابلات، وأغلبها مقابلات جماعية. وللحفاظ على الخصوصية، كانت الأمهات والفتيات وغيرهن من العضوات بالأسرة وأحياناً الجارات، يتجمعن في حجرة واحدة من المنزل، بعيداً عن أفراد الاسرة الآخرين، أثناء إجراء مقابلات فردية مع كل منهن. وتمت مقابلات أخرى في مكاتب منظمات غير حكومية في حلبجة وسمود، في منطقة جرمين. وتمت مقابلة العاملين بالقطاع الطبي في العيادات ومكاتب العمل الأخرى، وتم إجراء المقابلات مع رجال الدين في البيوت والمساجد.
وقد غيرنا أسماء بعض النساء وحجبنا بعض التفاصيل الخاصة بالنساء والفتيات والقابلات الواردات في التقرير كي لا يتسنى الكشف عن هوياتهن، من أجل حماية خصوصيتهن. جميع المشاركات تم إخبارهن بالغرض من المقابلات وطريقة توثيق رواياتهن والكتابة عنها. تم إخبار المشاركون والمشاركات بحقهم في التوقف أثناء المقابلة في أي وقت أو في رفض إجابة أي سؤال. وأعلن جميع المشاركين عن موافقتهم شفهياً على المقابلات، ولم يحصل أي من المشاركين على تعويض مادي من هيومن رايتس ووتش مقابل إجراء المقابلات.
ملحوظة عن منهج التقرير
مصطلح "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية" يستخدم في شتى أجزاء التقرير. هذا الاصطلاح تستخدمه العديد من منظمات حقوق الإنسان والحقوق الصحية للحديث عن الآثار البدنية والعاطفية والنفسية لهذه الممارسة، وفي توضيح أن الممارسة تعتبر من انتهاكات حقوق الإنسان. لكن التقرير يستخدم أيضاً عبارة "ختان الإناث" في بعض الأحيان، بما أن هذا هو المصطلح المستخدم لهذه الممارسة في كردستان. وهو المصطلح الذي استخدمته النساء أثناء المناقشات (وكلمة زاتينا باللغة الكردية تعني الختان).
كلمة "قابلة" تستخدم أيضاً في الإشارة للقابلة التقليدية. القابلة التقليدية هي امرأة ليس لديها تصريح تقوم بعمليات التوليد وتؤدي أيضاً عمليات طبية صغيرة أخرى