كردستان المُختتنة
. والختان، في المفهوم الشعبي الشائع، "هو جزء من الإعداد الضروري لتأهيل الفتاة، للزواج، ولتسهيل دخولها في حرمته وقوانينه، بلا مشاكل ووجع رأس". فهو، تأسيساً على هذا الإعتقاد العتيق، "يساعد الفتاة على الترويض ضمن حدود بيتها، للإنشغال بإحتياجاته االيومية، والتفرغ لتربية أطفالها، وإرضاء نزوات زوجها". كما أن الختان، بحسب البعض المتخلف الآخر، "يهدئ من ثورة المرأة الجنسية، في حين أن المرأة اللامختتنة ترهق زوجها بطلبها المتزايد للمعاشرة الجنسية". وعليه، فإن الختان، في ظروف المجتمع القطيعي، حسب ها المفهوم القروسطي، السادي، "يصلح المرأة ويخمد نيران شهوتها، ويهديها إلى جادة صواب زوجها، وأولادها، وبيتها، وقبيلتها"
. أما دينياً، ووفقاً للمسلمين، المتدينين، الممارسين لهذه العادة السادية المقرفة، والمعتقدين بها، فالختان، هو "فرض سنة"، إسلامياً. وبهذا تصبح المختتنة، أكثر ديناً، وأكثر إيماناً، وأكثر ثواباً، وأكثر حشمةً، من اللامختتنات.
كردستان هي واحدة من جغرافيات الله التي ارتفعت فيها معدلات النساء والفتيات المختتنات، في سني "العز" الأخيرة، بشكلٍ مخيف.
في مذكرةٍ سابقة(Stop FGM in Kurdistan) رُفعت إلى رئاسات كردستان الثلاث(البرلمان والحكومة والإقليم)، ذُكر أن 60% من نساء مناطق مختلفة، في كردستان العراق مختتنات. وبحسب المذكرة، فإن أغلبهن قد تعرضن لهذا النوع من العنف الجسدي، في سن مبكرة من طفولتهن. وهي المذكرة التي اعتمدت على دراسة ميدانية قامت بها منظمة وادي WADI الألمانية النشطة في مجال حقوق الإنسان(حيث تعمل في كردستان العراق منذ 1993) في أوكتوبر/نوفمبر 2004 في منطقة ريف كرميان(الواقعة في جنوب كردستان العراق). بحسب هذه الدراسة، التي شملت 40 قرية، تبين أن 60% من النساء والفتيات(من سن العاشرة فما فوق) كنّ مختتنات. وفي بعض المناطق وصلت النسبة(من 11 عاماً فما فوق) إلى 100%(كما في تبه سَوزي/ ناحية رزكَاري، مثلاً). ووفقاً للنتائج التي توصلت إليها الدراسة، فإن الختان يُمارس، بناءً على إعتقادات إسلامية، ترى في ذلك "فرض سنة". وهو الأمر الذي خلق توجساً لدى هذه المنظمة، ودفع بها إلى وصف الختان النسوي في كردستان ب"الخطير"(يُنظر: (http://www.wadinet.de/projekte/frauen/fgm/studie.htm وفي خبرٍ نشرته صحيفة جاودير الكردية(تنشر في كردستان العراق)، الإسبوع الماضي، ذُكر أن ستة فتيات من عائلةٍ واحدة، بمنطقة جمجمال، اختتن على يد "داية" بأساليب "ميتاـ بدائية"، جداً متخلفة، بطلبٍ مباشر من والدتهن".
وعلى الرغم من البحث المتواصل لبعض منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة(خصوصاً منظمة وادي الألمانية) مع الجهات المعنية في البرلمان والحكومة الكرستانيين، ومنهم رئيس البرلمان الحالي عدنان المفتي، في هذا الخصوص، وذلك من أجل وضع حد قانوني لتفشي هذه الظاهرة المقيتة والتي تعد امتهاناً لكرامة المرأة وانتهاكاً صارخاً لطبيعتها البشرية، إلا أن الظاهرة لا تزال تنهش جسد نصف كردستان، دون أي رقيب أو قانونٍ يحمي الضحايا من مذبح الختان ومشارط مشعوذيه ودجّاليه. علماً، وكما يذهب إليه، أهل العلم الإختصاص، من علماء الجنس والأطباء والنفسانيين، فإن الآثار والإنعكاسات السلبية(صحية، سايكولوجية، جنسية) المترتبة على "إعدام" عضو جداً مهم من أعضاء الجهاز التناسلي لدى المرأة، ستظل تلاحق الضخية طيلة مراحل حياتها.
في سبتمبر 2006، ووفقاً لوكالة آكي الإيطالية، ف"أن لجنة الدفاع عن حقوق المرأة في البرلمان، كان بصدد تقديم مشروع، لإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية المعتمد في إقليم كردستان، تفرض شروطا إضافية على حالات تعدد الزوجات، ومنع ختان البنات، وإجراءات أخرى حول الطلاق". ولكن الوقائع والأرقام على الأرض، تقول أن لا قانون يعلو على قانون الكبار: النفوذ بشتى أشكاله وما أكبره، الحزب وما أكبره، القبيلة وما أكبرها، الجامع وما أكبره.
إن بلاداً يأكل فيها الختان أعضاء أكثر من نصف نسائه(60%)، يحتاج إلى أكثر من لجنة دفاع عن حقوق المرأة، وأكثر من مشروع قانون في برلمان، وأكثر من مشروع إصلاح، وأكثر من مشروع توعية، وأكثر من مشروع تدشينٍ للمرأة سواءً بسواء مع الرجل.
واللافت في مشاريع القرارات التي تُقدّم في البرلمان الكردي، وقوانينه التي تخرج من تحت قبته بالإجماع(في التمام والكمال)، هو أنها تُقدّم وتُقر مع الموافقة المطبوخة سابقاً، سلفاً، فقط للبَروَزة الشكلية، ولتجميل ديكور البرلمان "الديمقراطي"، في نسخته الكردية، أمام برلمانات الديمقراطيات الغربية العريقة.
في الآونة الأخيرة، ازدادت صولات وجولات البرلمانيين الكرد ورؤسائهم، بين عواصم الغرب وبرلماناتهم ومجالس بلدياتهم. ولاتخلو هذه الطلعات البرلمانية البهلوانية، من الوجوه النسوية، بالطبع. لما لا، فحصة النساء في البرلمان الكردي تشكل 28 مقعداً من أصل 111 مقعد. أما في الحكومة، فلهن 3 وزيرات من مجموع 42 وزير. والغريب في تصريحات وخطابات هذا البعض البرلماني، "الوردية"، هو أنه يكاد يزايد ب"ديمقراطية برلمانه" على برلمانات الديمقراطيات المضيفة. فيقول هذا البعض مثلاً، "لدينا وزراة حقوق إنسان، ولدينا المئات لا بل الآلاف من منظمات حقوق الإنسان التي تعمل بكامل حريتها في كردستان، لدينا مشاركة نسوية فاعلة في البرلمان والحكومة، لدينا قضاء مستقل، لدينا قانون مدني، لدينا انتخابات نزيهة، لدينا القانون يعلو ولا يُعلى عليه...ولدينا ولدينا"
وأقول لهذا البعض: لا داعي أن تدوخوا الغرب وبرلماناتهم بالحديث الروتين عن "ديمقراطيتكم العشائرية". لا داعي أن تعقدوا الندوات والطاولات المستديرة والمستطيلة لتصدير كلامكم المعلّب الجاهز للأكل، فالغرب شبعان كلام. لا داعي لإقامة مأدبات للغداء أو العشاء، لا فرق، فالغرب شبعان طعام. لا داعي أن تعرّفوا لرجالات الغرب، أحزابكم، وانتخاباتكم، وأكثرياتكم، وأقلياتكم، فالغرب يكفيه ما فيه. وهو شبعان أحزاب وانتخابات وديمقراطيات وحقوق أكثريات وأقليات.
كردستان، ليست بحاجة إلى وزارات ديكور، مكتوبة على مداخلها، بالخط العريض "حقوق الإنسان"، ولكنها تحتاج إلى "صناعة إنسان". كردستان، في غنى، عن برلمانيات للماكياج فقط، أو وزيرات يتقدمن كالديكور واجهة وزاراتهن، طالما أن القانون على الأرض، هو في يد رجاله "الأشاوس". كردستان، تحتاج قبل التقرير إلى التحرير: هي في أمس الحاجة إلى أن يتحرر نصفها المؤنث من ديكتاتورية نصفها المذَكّر. فعن أية ديمقراطية(في السماء أم في الأرض) تتحدثون، يا سادة يا برلمانيين، يا ضيوف بروكسل، وبرلين، وفيينا، وباريس، وستوكهولم، وكوبنهاغن، وآمستردام، ولا يزال الختان بسكاكين "مطهريه وداياته"، يهدد حوالي 60% من نساء كردستانكم؟
من المعلوم، أن قبل ثلاث سنوات(2004)، وافق قادة 30 بلداً إفريقياً، وبإشراف مباشر من اليونسكو، على اختيار السادس من شباط/فبراير من كل عام، كيوم عالمي لمناهضة "ختان الإناث"، والنضال ضده بشتى الوسائل المتاحة. وفي 28.06.07 حظرت مصر، رسمياً، عادة "ختان الإناث" نهائياً، إثر وفاة طفلة أجريت لها عملية الختان. وقد لاقى هذا القرار استحساناً لدى كلٍّ من البابا شنودة وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي. فهل سيخطو البرلمان والحكومة الكرديين، خطواتٍ أكثر جدية، لإنقاذ نصف كردستان من طاغوت الختان؟