التحرش الجنسي أزمة المرأة العاملة
التحرش الجنسي، الذي يبدأ بتكرار النظرات، والتحرش الشفهي، والإلحاح في طلب لقاء، والمداعبة اللفظية الجنسية، وطلبها في أغلب الأوقات، والتي قد تتطور إلى التحرش باللمس، وغيرها من الممارسات، تشير دراسات عالمية في هذا المجال إلى أن حوالي نصف الذين يقومون بالتحرش، هم من زملاء العمل، و/27%/ منهم من رؤساء العمل و/23%/ من الزبائن، كما تشير هذه الدراسات لأمور أخرى يغفل عنها الجميع، وهي الأمراض النفسية التي تصيب غالبية السيدات العاملات، واللاتي جرى التحرش بهن، مثل القلق، والسهر، واللامبالاة، والخوف، والتعرض للكوابيس.
التحرش الجنسي بالنساء ارتبط بشكل فعال بتردي الأخلاق، وانتشار الفساد المالي، والأخلاقي، ونشر بعض الفضائيات سلوكيات غريبة عن المجتمع العربي، والمسلم. إلا أن خبراء علم النفس، والاجتماع لم ينتبهوا حتى الأن لمخاطر هذه الظاهرة، رغم أنها بدأت تطل برأسها بصورة وحشية في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يتطلب من مراكز الأبحاث، والدراسات بالوقوف عليها، وضرورة بحثها لبيان أسبابها، وعكف خبراء المجتمع على رصد الظاهرة، وتحليلها بغية حماية المجتمع من زيادة انحلال الأخلاق، وحماية المرأة في كل مكان.
تفيد دراسات بحثية، أن التحرش الجنسي لا يهدد فقط بعض النساء، ولكنه قضية منتشرة في المجتمع بأكمله، ولا يقتصر على عمر، أو طبقة اجتماعية معينة، كما أنه يعيق تقدم المرأة، وممارسة حياتها الاعتيادية. فلم تسلم العاملات، وربات البيوت، وصاحبات الوظائف المرموقة من تعرضهن للتحرش الجنسي، حيث أن معظم الأشكال الشائعة هي أشكال غير مناسبة مثل اللمس بنسبة /40%/ يليه التحرش بالألفاظ البذيئة بنسبة /30%/ حسب دراسة مصرية.
والأكثر غرابة، أن الدراسة اكتشف أن مبررات القبول الاجتماعي، أو على الأقل الصفح عن التحرش الجنسي بالنساء، يبدأ من الرغبة في عقاب المرأة على التمرد على دورها التقليدي في المنزل، أو إعاقة النساء الحاصلات على وظائف (اللاتي يعتبرن في أغلب الأحوال المصدر الثاني للدخل في الأسرة- باستثناء الأسر التي تعيلها نساء حيث تعد المرأة هي المصدر الرئيسي للأسرة) بحجة ارتفاع نسبة البطالة، وصولاً إلى قصور في إدراك الرجال للأثر المحزن، والجارح لأفعالهم تجاه النساء، والذي يأتي هنا لعقاب المرأة على تحررها على قيود المجتمع وخروجها من منزلها!
تعتبر أكثر التحرشات الجنسية شهرة هي المضايقة الشفهية التي تتضمن كلمات قاسية وقحة، تصف أجزاء جسد المرأة، وأن شكل رد الفعل الشفوي تجاه التحرش، والمتمثل في النظر أو القول، حصل على /٦.١٣%/ من نسبة المشاركات، بينما بلغت نسبة من آثرن السلامة، ولم يتخذن أي رد فعل تجاه مضايقتهن، نحو /٦.٢٩%/ وكانت نسبة من طلبن المساعدة من السلطات /٢%/ فقط!
والملفت من واقع الدراسات التي تمت، أن ظاهرة التحرش بالفتيات أو النساء عموماً - والتي امتدت في بعض الدول للتحرش بالأطفال الصغار ـ ليست جديدة، وأنه في كل مرة تثار قضية تحرش في أي دولة عربية نفاجأ بوجود مئات القضايا التي سبقتها، وفي كل مرة يزداد التحرش توحشاً وفجوراً.
وهناك دراسات تربط بين التحرش الجنسي، وانتشار الفساد، وغياب الرقابة في العالم العربي، فالفساد المالي والإداري في المؤسسات العربية يؤدي بصورة ما إلى الفساد الأخلاقي، خاصة وأن الكثير من حالات التحرش الجنسي ضد المرأة في العمل تنتج من رؤسائها الرجال، لما يتمتعون به من سلطة ونفوذ وانعدام الرقابة.
يختلف التصرف تجاه هذه القضية من امرأة إلى أخرى، فالكثيرات يفضلن التغاضي عن المسألة، وتركها المرور بسلام دون إثارتها، خوفاً من معاقبة رب العمل بالطرد من الوظيفة، الأمر الذي تلجأ إليه المرأة بقبوله، والاستجابة له في معظم الأحيان إلا نادراً، وسجلت حالات قليلة جداً بالنسبة للتحرش كقضية في أقسام الشرطة، ناهيك عن النتائج الاجتماعية التي تنتج عن هكذا دعاوي، والتي تنتهي في الكثير من الأحيان بمعاقبة المرأة على مبادرتها. وتشير بعض الإحصاءات، والأرقام العربية إلى أن الظاهرة باتت مفزعة في العديد من الدول العربية للغاية، وأنها لم تعد مجرد أمر شاذ يقوم به قلة منحرفة، وإنما سلوك متزايد من قبل العديد من الشباب العربي المراهق، والكبير على السواء.
واعتبر تقرير للجمعية الأمريكية للنساء الجامعيات: أن الطالبات أكثر شعوراً بالخجل، والغضب، والخوف والتشوش، وأقل ثقة، وأكثر شعوراً بخيبة الأمل تجاه تجربتهن الجامعية بعد تعرضهن للتحرش الجنسي، وتقول الطالبات: إنهن يتفادين المتحرش بهن، أو أماكن معينة في الحرم الجامعي، وأنهن يعانين من صعوبات في النوم أو التركيز. كما أن الطالبات أكثر لجوءاً للاستعانة بشخص يقدم لهن الحماية، أو إلى تغيير مجموعات الأصدقاء، أو الامتناع عن المشاركة في الفصل، أو الانسحاب من المساق، أو التغيب عن نشاط ما. علماً بأنهن نادراً ما يبلغن المسؤولين الجامعيين عن تعرضهن للتحرش.
التحرش في العالم العربي:
صرح مدير منظمة العمل العربية إبراهيم قويدر: "بعد أن لاحظت منظمة العمل العربية انتشاراً للموضوع في الوطن العربي بشكل مخيف من خلال ارتفاع حالات شكاوى النساء الإدارية ضد مرؤوسيهن تحت مسميات مختلفة تخفي غالبيتها خلفيات تحرش. â المرجع : موقع مركز الأخبار - أمان.
ففي مصر: تشير دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة أن /20/ ألف حالة اغتصاب، وتحرش جنسي ترتكب في مصر سنوياً، أي أن هناك حالتي اغتصاب تتم كل ساعة تقريباً، وهناك أرقام أخرى لدراسات اجتماعية مماثلة تثير الفزع تحذر أن من بين مائة امرأة يوجد /68/ تعرضن فعلاً للتحرش الجنسي داخل محيط العمل، سواءً كان هذا التحرش لفظياً، أو بدنياً وفق ما أوردته صحيفة "أخبار الحوادث" المصرية.
أما في تونس: فقد كشفت "رابطة النساء صاحبات المهن القانونية" عن أن الجمعية استقبلت عام /2003/ فقط ثمانمائة امرأة قالت: إنهن تعرضن للتحرش، ولم تتقدم بالشكوى منهن سوى حالتين، والأغرب أن هناك تحرشاً من نوعٍ آخر تقوم به السلطات الرسمية نفسها ضد المحجبات يصل لحد الاعتداء اللفظي، والجسدي ـ كما تقول منظمات حقوقية - على النساء الحاملات لغطاء الرأس حتى إن كلاً من وزير التربية، ووزير التعليم العالي أصدرا أوامرهما بمنع المحجبات من دخول المعاهد، والكليات.
أما في المغرب: تعاني الكثير من الفتيات، والسيدات المغربيات من ظاهرة التحرش الجنسي المتفشية في كثير من مؤسسات القطاع الخاص في المغرب، ويتبع بعض أرباب، ورؤساء العمل طرقاً شتى من التحرش للإيقاع بضحاياهم، مستغلين في معظم الأحيان سطوتهم وحاجة تلك النساء للعمل. â المرجع:موقع العربية نت نقلاً عن صحيفة "الأحداث" المغربية.
وفي السعودية: ورغم الطابع المحافظ وعدم خروج المرأة في أغلب الأحيان للعمل، بدأت تظهر قصص غاية في الغرابة عن انتهاكات وتحرشات بالفتيات، حتى إن الإحصاءات، والتقارير الحكومية تشير إلى أن حوادث التحرش الجنسي أصبحت تأتي في المرتبة الثالثة من حوادث الاعتداء الأخلاقي في السعودية من حيث العدد، وكشفت تقارير رسمية عن ضبط /1012/ متهماً في /832/ حادثة تحرش عام /2003/ بتهمة معاكسة النساء، /892/ من المتهمين من البالغين و/104/ من الأحداث!
أما الجزائر: فأصبح التحرش الجنسي واحداً من كوابيس المرأة الجزائرية العاملة منها والطالبة الجامعية، يحضر يومياً بحياتها وبشكل مؤذي ، برغم القانون الذي يجرمه، والذي تم سنه خلال السنوات القليلة الماضية لردع المتحرشين بها/ وحمايتها من هذا الاعتداء الذي لا يظهر للعيان ، بل تحضره غالباً الضحية والمتهم. لهذا فتحت وطأة التحرش الجنسي، وتعاني جزائريات كثيرات في صمت مطبق خوفاً من الفضيحة في مجتمع لا يرحم، ويشهر بالمرأة قبل حتى أن يفصل فيما إذا كانت متورطة أو ضحية، ومن لم تخف من الفضيحة فهي تفكر، وتمعن التفكير قبل أن تطرق أبواب المحاكم . â المرجع :موقع بوابة المرأة.
أما في سوريا فلم تسجل أية دراسات رسمية في هذا المجال، ولكن نسبة /36%/ من النساء في العمل يتعرضن للتحرش الجنسي -وفق استبيان غير رسمي- قمنا بإجرائه في أماكن مختلفة وشرائح متنوعة، وكانت نسبة /3%/ فقط من التجأن من النساء المحرشات إلى أقسام الشرطة لتقديم الشكوى.
أما في الأردن: شهد عام /2005/ تسجيل /437/ حالة تحرش جنسي.
حساسية الموضوع، والخوف من الفضيحة، وتلويث السمعة، والخوف من فقدان العمل، والحاجة لكسب العيش. كما أن التخوف من تعثر الدراسة جعل بعض الضحايا يلتزمن الصمت، وشعور الضحايا بأن الجاني عليها لن يجد العقاب الرادع له، وأن رئيسها المباشر لن يسمع لها خوفاً على سمعة عمله، واستحالة إثبات حدوث التحرش، والجهل الأنثوي بالقوانين الرادعة للمتحرشين جنسياً، لهذه الأسباب وغيرها يبقى التحرش الجنسي بعيداً عن المعرفة الكاملة، والرصد الحقيقي والواقعي لحالاتها الكثيرة، ويصعب تطبيق العقوبة الرادعة إن لم يكن مستحيلاً. في الكثير من الأحيان.
التحرش الجنسي، آفة العصر وأزمة المرأة العاملة في كل دول العالم، رغم وجود القوانين الرادعة لهذه الظاهرة، إلا أن أسباب الامتناع عن الشكوى، والحديث في هكذا مواضيع اجتماعية حساسة جداً بالنسبة للمرأة، أدت إلى نمو هذه الظاهرة التي بدأت تتصاعد في منحىً بياني ستفضي في النهاية إلى أزمة حقيقة للمرأة العاملة.