البحرين: أحكام الأسرة.. نحو مفترق طرق وعرة
Source:
بوابة المرأة بقلم فوزية مطر
ها نحن نعود من جديد إلى نقطة الصفر في مسألة إصدار قانون للأحوال الشخصية. مواقف القوى الأساس في المجتمع من هذه القضية تعيدنا رأساً على عقب إلى المربع الأول منذ طُرحت القضية مع بدء عهد الإصلاح. عراقيل إضافية تسد الطريق أمام القانون رغم أن المشروع المطروح يتناول الحد الأدنى المتعلق بأحكام الأسرة من مجمل الأحوال الشخصية.
ها نحن نعود من جديد إلى نقطة الصفر في مسألة إصدار قانون للأحوال الشخصية. مواقف القوى الأساس في المجتمع من هذه القضية تعيدنا رأساً على عقب إلى المربع الأول منذ طُرحت القضية مع بدء عهد الإصلاح. عراقيل إضافية تسد الطريق أمام القانون رغم أن المشروع المطروح يتناول الحد الأدنى المتعلق بأحكام الأسرة من مجمل الأحوال الشخصية.
وذلك يقل كثيراً عن المطلب المطروح من قوى المجتمع ومؤسساته الديمقراطية والليبرالية والإسلامية المستنيرة. طموح هؤلاء هو إصدار قانون عصري موحد للأحوال الشخصية يتوافق مع الشريعة الإسلامية ويراعي الخصوصيات المذهبية للطائفتين. وذلك أمر كان مطروحاً منذ الثمانينات الماضية وشُكلت من أجله لجنة للأحوال الشخصية بعد أن تلمّس نشطاء العمل الاجتماعي ما يعانيه أفراد الأسرة البحرينية عامة والمرأة خاصة في أروقة المحاكم جراء غياب القانون.
اليوم يعيدنا تسييس القضية وطأفنتها إلى مستوى من التراجع أوصل لطرح قانون ذي شقين منفصلين لكل طائفة على حدة. نحن إذن نعود للوراء وفي ذلك تلام كافة قوى المجتمع التي لم يسعَ بعضها بالجدية المطلوبة ولم يسعَ بعضها الآخر بالقدر المطلوب لتوفير أرضية توافقية مرضية للجميع تُمهد الطريق لإصدار القانون.
المواقف الراهنة للقوى المجتمعية تتباين حتى داخل التيار الواحد. ففي إطار تيارات الإسلام السياسي يعزز علماء الدين الشيعة موقفهم المتشدد السابق (قبول التقنين بضمانات دستورية وموافقة المرجعية العليا) بآليات أكثر تشدداً. هم يتجهون الآن لكسب مواقف النواب الشيعة ويهددون بتحريك عصيان مدني وبتدويل القضية إن لم يتوفر ما يطلبونه من ضمانة دستورية للقانون أو مباركة مرجعية عليا للمدونة. وهم يقولون إن السلطة التنفيذية لم تطرح عليهم الأمر أو تتحاور معهم أو تأخذ برأيهم في القانون المزمع إحالته للنيابي. وموقف المجلس العلمائي يتشدد كثيراً ولا ينوي التراجع قيد أنملة كما صرح رئيسه الشيخ عيسى قاسم. ويستند المجلس في توجهاته الضاغطة على رصيد جماهيري كبير لا يأتمر إلا بأمر علماء الدين.
وعلى الضفة الأخرى تتفاوت مواقف تيارات الإسلام السني. فالتيار السلفي تتأرجح تصريحات رموزه بين رفض التقنين من الأساس والتلويح بتمرير القانون بضمانات شرعية منصوص عليها فيه. أما تيار الإخوان المسلمين فمرة يطالب بضمانات دستورية وأخرى يلوح بتمرير القانون في حال التوصل إلى توافق مع علماء الدين الشيعة.
وعلى مستوى الجهة الرسمية فلا يبدو أنها في وارد الموافقة على الضمانات الدستورية التي يطلبها علماء الدين. والحكومة التي تزمع إحالة القانون على المجلس النيابي، تراه شرعياً يحترم الخصوصية المذهبية وفق تأكيدات وكيل وزارة الشؤون الإسلامية على أن من صاغ القانون هم علماء متخصصون من الطائفتين. ويبدو أن الحكومة عازمة على إصدار القانون (شقه السني على أقل تقدير) قبل أن ينفضّ الفصل التشريعي الحالي.
في الوقت ذاته لم تضع الحكومة في اعتبارها الدخول في حوارات مسبقة مع رموز التيارات الإسلامية التي تملك زمام القطاعات الأوسع من الشارع البحريني.
وعلى مستوى المجلس الأعلى للمرأة المحرك الرسمي الأساس للمشروع فيؤكد على لسان الأمين العام للمجلس على أن الضمانات الدستورية موجودة في مذكرة القانون وأن المادة الثانية من دستور المملكة تعتبر ضمانة دستورية. في الوقت ذاته نوهت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة بتأكيد وزارة الشؤون الإسلامية على أن قانون أحكام الأسرة لن يفرض فرضاً على أي طائفة.
وعلى مستوى السلطة التشريعية فإن مواقف التيارات الإسلامية تعكس نفسها على مواقف النواب والكتل النيابية الممثلة لها. أما كتلة المستقلين فتتجه نحو تمرير القانون إذا توافق مع الشريعة الإسلامية حسب تصريحاتها. وأما كتلة الديمقراطيين التي تظهر نشاطاً ملحوظاً ـ يحسب لها ـ لخلق توافق حول القانون، فإن بعض تصريحاتها تدعو لطرح التكهنات. الكتلة هي الأقرب ـ مبدأ ورؤية ـ للدفاع عن حقوق المرأة وتفعيل كافة الجهود من أجل الإسراع بإصدار قانون تأخر عشرات السنين. وتصريحاتها بموافقة علماء الدين على الانسحاب من جلسة مناقشة القانون، أو بالسعي لتجميد مناقشته في اللجنة التشريعية يثير التكهنات كونه يناقض رؤى الكتلة وقناعاتها المبدئية. وبتقديرنا فإن أي كتلة نيابية، لا تُقدم على مواقف تناقض مبدئيتها إلا لحسابات أو مردودات معينة. ومثلما استُنكرت دعوة سابقة لتأجيل موضوع الأحوال الشخصية لصالح حسابات سياسية في نطاق التحالف الرباعي خلال العام ,2002 يُستنكر اليوم تغييب المبدئية في التعامل مع المسألة ذاتها.
مقابل الحراك العام المذكور نلمس غياباً لكثير من مؤسسات المجتمع الأهلية وقواه المدافعة عن حقوق المرأة والأسرة والدافعة باتجاه الإسراع بتشريع القانون. ونتساءل: أين موقف المؤسسات النسائية والجمعيات السياسية وجمعيات حقوق الإنسان؟ إن غياب المواقف المعلنة لهؤلاء يترك الساحة فارغة لمعارضي ومعرقلي إصدار القانون.
رغم مرور عقود من المعاناة والانتظار لصدور القانون، ورغم تضييع خمس سنوات من عهد الإصلاح بين شد وجذب لا طائل منهما، ها هي أصوات لم تزل تدعو للتريث ومعاودة بحث الأمر والدخول في حوارات قد توصل لتوافقات.
المعطيات السابقة تظهر أن قانون أحكام الأسرة يمضي باتجاه مفترقات طرق وعرة. فإما طريق مسدودة، وإما سنوات انتظار أخرى لا يُعلم مداها، أو تمرير للشق السني من القانون وفي ذلك ما فيه من إحداث شرخ غائر في بنيان مترنح.
اليوم يعيدنا تسييس القضية وطأفنتها إلى مستوى من التراجع أوصل لطرح قانون ذي شقين منفصلين لكل طائفة على حدة. نحن إذن نعود للوراء وفي ذلك تلام كافة قوى المجتمع التي لم يسعَ بعضها بالجدية المطلوبة ولم يسعَ بعضها الآخر بالقدر المطلوب لتوفير أرضية توافقية مرضية للجميع تُمهد الطريق لإصدار القانون.
المواقف الراهنة للقوى المجتمعية تتباين حتى داخل التيار الواحد. ففي إطار تيارات الإسلام السياسي يعزز علماء الدين الشيعة موقفهم المتشدد السابق (قبول التقنين بضمانات دستورية وموافقة المرجعية العليا) بآليات أكثر تشدداً. هم يتجهون الآن لكسب مواقف النواب الشيعة ويهددون بتحريك عصيان مدني وبتدويل القضية إن لم يتوفر ما يطلبونه من ضمانة دستورية للقانون أو مباركة مرجعية عليا للمدونة. وهم يقولون إن السلطة التنفيذية لم تطرح عليهم الأمر أو تتحاور معهم أو تأخذ برأيهم في القانون المزمع إحالته للنيابي. وموقف المجلس العلمائي يتشدد كثيراً ولا ينوي التراجع قيد أنملة كما صرح رئيسه الشيخ عيسى قاسم. ويستند المجلس في توجهاته الضاغطة على رصيد جماهيري كبير لا يأتمر إلا بأمر علماء الدين.
وعلى الضفة الأخرى تتفاوت مواقف تيارات الإسلام السني. فالتيار السلفي تتأرجح تصريحات رموزه بين رفض التقنين من الأساس والتلويح بتمرير القانون بضمانات شرعية منصوص عليها فيه. أما تيار الإخوان المسلمين فمرة يطالب بضمانات دستورية وأخرى يلوح بتمرير القانون في حال التوصل إلى توافق مع علماء الدين الشيعة.
وعلى مستوى الجهة الرسمية فلا يبدو أنها في وارد الموافقة على الضمانات الدستورية التي يطلبها علماء الدين. والحكومة التي تزمع إحالة القانون على المجلس النيابي، تراه شرعياً يحترم الخصوصية المذهبية وفق تأكيدات وكيل وزارة الشؤون الإسلامية على أن من صاغ القانون هم علماء متخصصون من الطائفتين. ويبدو أن الحكومة عازمة على إصدار القانون (شقه السني على أقل تقدير) قبل أن ينفضّ الفصل التشريعي الحالي.
في الوقت ذاته لم تضع الحكومة في اعتبارها الدخول في حوارات مسبقة مع رموز التيارات الإسلامية التي تملك زمام القطاعات الأوسع من الشارع البحريني.
وعلى مستوى المجلس الأعلى للمرأة المحرك الرسمي الأساس للمشروع فيؤكد على لسان الأمين العام للمجلس على أن الضمانات الدستورية موجودة في مذكرة القانون وأن المادة الثانية من دستور المملكة تعتبر ضمانة دستورية. في الوقت ذاته نوهت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة بتأكيد وزارة الشؤون الإسلامية على أن قانون أحكام الأسرة لن يفرض فرضاً على أي طائفة.
وعلى مستوى السلطة التشريعية فإن مواقف التيارات الإسلامية تعكس نفسها على مواقف النواب والكتل النيابية الممثلة لها. أما كتلة المستقلين فتتجه نحو تمرير القانون إذا توافق مع الشريعة الإسلامية حسب تصريحاتها. وأما كتلة الديمقراطيين التي تظهر نشاطاً ملحوظاً ـ يحسب لها ـ لخلق توافق حول القانون، فإن بعض تصريحاتها تدعو لطرح التكهنات. الكتلة هي الأقرب ـ مبدأ ورؤية ـ للدفاع عن حقوق المرأة وتفعيل كافة الجهود من أجل الإسراع بإصدار قانون تأخر عشرات السنين. وتصريحاتها بموافقة علماء الدين على الانسحاب من جلسة مناقشة القانون، أو بالسعي لتجميد مناقشته في اللجنة التشريعية يثير التكهنات كونه يناقض رؤى الكتلة وقناعاتها المبدئية. وبتقديرنا فإن أي كتلة نيابية، لا تُقدم على مواقف تناقض مبدئيتها إلا لحسابات أو مردودات معينة. ومثلما استُنكرت دعوة سابقة لتأجيل موضوع الأحوال الشخصية لصالح حسابات سياسية في نطاق التحالف الرباعي خلال العام ,2002 يُستنكر اليوم تغييب المبدئية في التعامل مع المسألة ذاتها.
مقابل الحراك العام المذكور نلمس غياباً لكثير من مؤسسات المجتمع الأهلية وقواه المدافعة عن حقوق المرأة والأسرة والدافعة باتجاه الإسراع بتشريع القانون. ونتساءل: أين موقف المؤسسات النسائية والجمعيات السياسية وجمعيات حقوق الإنسان؟ إن غياب المواقف المعلنة لهؤلاء يترك الساحة فارغة لمعارضي ومعرقلي إصدار القانون.
رغم مرور عقود من المعاناة والانتظار لصدور القانون، ورغم تضييع خمس سنوات من عهد الإصلاح بين شد وجذب لا طائل منهما، ها هي أصوات لم تزل تدعو للتريث ومعاودة بحث الأمر والدخول في حوارات قد توصل لتوافقات.
المعطيات السابقة تظهر أن قانون أحكام الأسرة يمضي باتجاه مفترقات طرق وعرة. فإما طريق مسدودة، وإما سنوات انتظار أخرى لا يُعلم مداها، أو تمرير للشق السني من القانون وفي ذلك ما فيه من إحداث شرخ غائر في بنيان مترنح.