رابطة النساء السوريات.. عوائق وآفاق
Source:
نساء سورية كتبت أصلان عبد الكريم: لقد تابعت عن كثب إلى حد ما أنشطة الرابطة، وتلمست بدرجة أو بأخرى الصعوبات التي تواجهها في نطاق الظرف التاريخي والمجتمعي اللذين يولدان المناخ العقلي والروحي والقيمي الذي تندرج فيه وتولد من رحمه العوائق والصعوبات وطرائق التفكير والعمل، وبما في ذلك تلك التي تواجه الرابطة وتحكم صيرورتها، ومن بين هذه المسائل يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1 ـ الاستهتار بهذا الحقل النوعي من النشاط الاجتماعي [حقل حقوق المرأة] واعتبار الجهد فيه مضيعة للوقت أو تمزيقاً للمجتمع إلى نصفين أو استعداء لأحدهما على الآخر، أو نرجسية نسوية، أو انصرافاً إلى تفاصيل ترفية، أو إدارة ظهر للسياسة بما هي المحور المركزي للنضال، أو تجاهلاً للهموم المعيشية، الحياتية الضاغطة اليوم على الجمهور الأوسع في المجتمع والاستهتار بهذا الحقل يقوم على قاعدة خاطئة منهجياً وعملياً هي قاعدة التسييس الكثيف لكل الظواهر والأنشطة الاجتماعية التي يشكل الحقل المذكور واحداً منها، وعلى الغالب تعبّر قاعدة التسييس هذه عن نفسها من خلال حجج متعددة من بينها ـ بل ربما من أهمها ـ القول:
آ ـ إن المرأة جزء من الكل الاجتماعي، ولذا فإن النشاط العام ـ والسياسي منه بخاصة ـ يستغرق حقلها ولا حاجة إذن لنشاط خاص بها بل ربما كان الانصراف إلى الحقل المذكور تشتيتاً للجهود وإضاعة للبوصلة والحلقة المركزية بما هي الحلقة السياسية.
ب ـ إن العمل في هذا الحقل يضع العربة أمام الحصان، أو هو سابق لأوانه، أو متصادم مع المجتمع التقليدي لا جدوى منه قبل حصول التحول الاجتماعي ـ الثقافي ـ السياسي العميق، أو.. الخ ما هناك من تخرصات لا تصمد أمام الحس السليم.
وعلى كل حال فإن ثمة تاريخاً طويلاً من حضور الاعتبارات المذكورة بهذا الشكل أو ذاك في نهج الأحزاب السياسية بما في ذلك بالطبع الأحزاب اليسارية، ومن المرجح أن الكثير من النساء والرجال قد جرّب ذلك بالقدر الكافي من المرارة وهو الأمر الذي يفترض امتلاك الجرأة العقلية والأدبية على طريق تأسيس مراجعة نقدية للوقوف ضد استمرار الخطأ بما في ذلك خطأ الاستخذاء أمام الكلمات الكبيرة، الثورة، السياسة، الظروف التاريخية.
وبهذا المعنى فإن الحقل النسوي يجب أن يتمتع بالاستقلال النسبي المعطى تاريخياً قولاً وفعلاً، بدلاً من الاستقلال الشكلي ناهيك عن أن يكون مجرد مخلب قط للسياسة ولأحزابها ومناهجها وممارساتها.
والآن بافتراض كل الحجج المذكورة صحيحة تماماً ـ وهي ليست كذلك ـ فإننا في سورية بشكل خاص لسنا على أبواب الثورة الاجتماعية ـ السياسية الشاملة، الأمر الذي يقود إلى ضرورة إرخاء قوس التسييس الكثيف للحقول الاجتماعية قليلاً أو كثيراً، والضرورة المذكورة ليست منطقية فحسب بل عملية أيضاً.
إن موت السياسة ـ بالمعنى الأصيل للعبارة ـ الذي ولده النظام الشمولي في المجتمع هو اليوم العقبة الأرأس أمام أي تغيير حقيقي حتى إشعار آخر، وحتى ذلك اليوم من المفترض تجاوز حالة الانتظار والالتفات إلى حقول نضال اجتماعية أخرى ـ من بينها بالتأكيد حقل حقوق المرأة ـ جنباً إلى جنب مع العمل الدؤوب لاستعادة المجتمع إلى السياسة.
2 ـ نظراً للطابع العام للسياق التاريخي الراهن ودرجة تطور المجتمع، وطبيعة الناشطات في هذا الحقل، فإن بالإمكان إثارة اتهام مؤداه أن هنالك تغريداً خارج السرب، وذلك لأن الناشطات المذكورات هنّ في الاتجاه العام من الطبقة الوسطى والفئات المثقفة بخاصة، ليس هذا فحسب، بل إن حقل نشاطهن يكاد يقتصر ـ لأسباب تاريخية واجتماعية معروفة للجميع ـ على هذه الطبقة نفسها وما يعلوها في التراتب الاجتماعي، وهو ما يجعل الحركة النسوية عرضة للاتهام بأنها بعيدة عن الأوساط الشعبية الفقيرة أو الجاهلة أو العاملة في مهن بعيدة عن تلك التي تعمل فيها النساء الناشطات بدءاً من العمل المنزلي وانتهاء بالعمل الزراعي في الريف مروراً بالعمل في المصانع والمعامل القائمة في نطاق المدن، وكذلك الأمر فيما يتعلق بقطاع التجارة والخدمات.. الخ. والاتهام هذا لا يخلو من وجه حق وصفياً على الأقل ـ ومع إمعان النظر والانتقال إلى حقل التحليل يتبين أن هذا الاتهام يقع في مطلب اللاتاريخية فشتّان ما بين القول: من الطبيعي أن تكون الحركة النسوية نخبوية في ظل شروط تاريخية معينة كما هو الحال في سورية اليوم مع الاعتراف أن ذلك يشكل نقطة ضعف حقيقية يجب تجاوزها، وبين القول: إن الحركة النسوية مرفوضة، أو على الأقل متهمة سلفاً ـ لعدم تجذرها في الأوساط الشعبية مباشرة ولطابعها النخبوي.
إن النخبوية ستظل تشكل مشكلة ينبغي حلها، وعائقاً في التكوين والعمل ما لم تتحول مع مرور الزمن إلى حركة ذات طابع شعبي إن لم أقل شعبية وهي بعيدة المنال.
إذن في الوقت الذي يجب فيه امتلاك الجرأة للاعتراف بخطر الدوران على الذات يجب النظر إلى ذلك بصفته أمراً واقعاً لا مفر منه في البداية، بل ربما كان من طبائع الأمور.
وما دمنا بهذا الصدد فإن بالإمكان القول: في بعض الأحوال يمكن أن تشكل حركة نسوية صغيرة ـ ولكنها نشطة وجذرية ـ أداة ضغط حقيقية ـ مهما تكن صغيرة ـ على القوى الاجتماعية والأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان أو الجامعات والمؤسسات والمدارس والأسر من أجل تغيير ملموس في وضع المرأة على الرغم من بقاء دور الدولة في مجتمعاتنا حاسماً إلى حد كبير.
إن العمل في هذه الحال على تشكيل منظمات ضغط اجتماعية للتأثير على صنع القرار مهمة جدّية ومسؤولية الجميع وبخاصة فيما يتعلق بتغيير القوانين السائدة واستصدار قوانين جديدة تتفق مع المواثيق العالمية بما في ذلك الاتفاقات الناظمة لحقوق المرأة، ويشكل الوصول إلى وسائل الإعلام الجماهيرية هدفاً حقيقياً وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمناهج الدراسية بدءاً من الرياض وانتهاء بالجامعة للعمل على تغيير الصورة النمطية للرجل والمرأة في المجتمع.
وسيكون مفيداً في هذا المجال توزيع كراسات شعبية بأسعار رمزية أو مجانية لفضح وتفسير الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة مادياً ومعنوياً في كل الحقول الاجتماعية، في الاقتصاد والقانون والدين واللغة والثقافة الشفهية، أعراف، تقاليد، عادات. والثقافة العالمة، أي الثقافة الرفيعة المكتوبة التي ترهف العقل والذائقة والروح.
ومن الجدير بالذكر أن الصورة المرئية تشكل الوسيلة الأكثر فعالية وربما كانت صورة واحدة معبرة عن واقع الحال أجدى من أطنان من الكتب.
إن الملصق المعبّر، الذكي والجذاب، يستنفر الضمير الإنساني والحس السليم ويشكل دافعاً للفعل مما يجعله أحد أهم المداخل إلى الحقل المذكور.
3 ـ ثمة أمر آخر يهدد الحركة النسوية هو خطر الانعزال عن العالم، عن المنظمات العالمية وبخاصة منها العاملة في هذا الحقل، وفي الغالب يغطي هذا الانعزال نفسه بعباءة سياسية أو أخلاقية أو أيديولوجية، الدين، القومية، الهوية، الخصوصية.. الخ.
ومن الضروري أن لا تقع الحركة المذكورة في هذا المطب، وأن ترفض بحزم الانعزال وأن تفند بكل عقلانية وواقعية وانفتاح الذرائع التي تكمن تحت العباءة وخلفها وأن تقطع الطريق على الابتزاز الساخر الذي تقوم به الحكومات والمؤسسات ذات الطابع الرجعي كائناً من كانت. وعلى هذا الصعيد يمكن النظر إلى موقف الوفود العربية والإسلامية في مؤتمري جنيف وبكين فيما يتعلق بحقوق المرأة وغيرها من القضايا، وهو موقف في غاية السلبية، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمواقف نفسها في مؤتمر القاهرة للسكان. إن ثمة عصاباً حقيقياً لدى هذه الأوساط السلطوية وغير السلطوية من مسائل مثل حقوق المرأة، والديمقراطية، والحريات وحقوق الإنسان بعامة. وتشكل بعض النصوص الدينية والاجتهادات الفقهية عندنا حارساً حقيقياً للنظام الأبوي وسداً منيعاً إلى حد كبير في وجه المطالب الإنسانية المشروعة للمرأة، بحيث يبدو الأمر وكأنه نظام أرضي محمي بنص سماوي مقدس.
وعلى النقيض من الخصوصية الحقيقية أو المزعومة وأياً يكن اسمها فإن العمل من أجل جعل المواثيق والقوانين الدولية معايير أساسية ومرجعية داخلية يشكل أهمية خاصة لمجتمعاتنا ونقلة هامة، بحق، إلى الأمام.
4 ـ ثمة تخوف مشروع هو خطر التحول إلى حركة جنسوية (نسبة إلى المرأة) تقوم على إقصاء الجنس الآخر، وهو هنا الرجل. وعلى الرغم من أن الرجل يتحمل الوزر الأساسي سابقاً واليوم فيما لحق المرأة من تمييز واضطهاد وانتقاص فإن الأمر في نهاية المطاف أبعد وأعمق وأشمل من حكاية الرجل هذه مهما تكن هامة، إنها حكاية السياق التاريخي للصيرورة المجتمعية للإنسان مادياً ومعنوياً، اقتصاداً وثقافة طبيعة واكتساباً، منذ عصر الصيد حتى الصناعة ومنذ تاريخ الأسرة الأمومية وحتى اليوم مروراً بالطبع بالمرحلة الحاسمة مرحلة تقسيم العمل الأول والثاني وما قام عليها بنيوياً وبخاصة الأسرة الأبوية.
5 ـ إن مشروعاً بأهمية المشروع المذكور بحاجة إلى ما يكفي من التمويل، ولا بد لحركة مثل حركتكم أن تطرح على نفسها حل هذه المعضلة سواء أكان ذلك عن طريق الاشتراكات أم التبرعات أم الاستثمارات أم المساعدات الإنسانية من المنظمات العاملة عالمياً أو بها كلها معاً.
وأياً يكن الحال فإن من الضروري أن تكون هذه المسألة في غاية الشفافية منعاً لكل سوء تصرف، ودرءاً لأمراض المال، وقطعاً لألسنة الاتهام.
6 ـ بما أن الفعل البشري يضع لنفسه في الاتجاه العام رموزاً موحية ـ فكرية كانت أم شخصية ـ يركن إليها ويستقوي بها فإن من المهم السعي للبحث في تاريخنا وتاريخ العالم القديم والحديث لإشهار شخصيات نسوية قادرة على تشكيل منارات مضيئة وجاذبة بالطبع مع أخذ النسبية والتاريخية بعين الاعتبار.
ويحضر في كل هذا الصعيد بعض الرموز العربية والإسلامية مثل عائشة بنت أبي بكر، وسكينة بنت الحسين، والأمثلة الحديثة معروفة جيداً، وأود أن أشير إلى رمز فارسي جدير جداً بالاحتفاء، إلى شخصية نسوية عاشت في القرن التاسع عشر، أقلقت بعمق المجتمع الراكد آنذاك صفوياً وعثمانياً(*) إنها قرّة العين.
7 ـ ليس الأفق وردياً أبداً، وما لم نتجاوز نطاق التخلف المريع، وما لم يستعد المجتمع ذاته في سورية فإننا نواجه خطر التسكع على هامش التاريخ ولمواجهة هذه الحال ليس من المعيب أن نبدأ الطريق بزحف السلحفاة. فالتخلف والجهل والفقر والقمع وموت السياسة والأنا الدائرة حول نفسها كفيلة بجعل أقوى العزائم في حالة تردد إن لم أقل غير ذلك.
إن أزمنة الموت المعنوي تشكل الرحم الطبيعي للإحباط ولكنها في الوقت نفسه تولّد النقيض ولو ببطء، فالتاريخ لا يرحم ولا بدّ لعجلته من الدوران وهو كفيل بأن تولّد البديل في حين يدهس بلا رحمة القديم.
آمل أن تكون رابطتكم هي البديل الذي بدأ للتوّ أولى خطواته في الزحف على الطريق الطويل، طريق بروميثيوس الجماعي ما دام الفرد في سياق الحضارة الراهنة أعجز من أن يكون ذلك كما كان ذات يوم.
(*) المقصود الإمبراطورية الصفوية الفارسية والإمبراطورية العثمانية.
رابطة النساء السوريات
آ ـ إن المرأة جزء من الكل الاجتماعي، ولذا فإن النشاط العام ـ والسياسي منه بخاصة ـ يستغرق حقلها ولا حاجة إذن لنشاط خاص بها بل ربما كان الانصراف إلى الحقل المذكور تشتيتاً للجهود وإضاعة للبوصلة والحلقة المركزية بما هي الحلقة السياسية.
ب ـ إن العمل في هذا الحقل يضع العربة أمام الحصان، أو هو سابق لأوانه، أو متصادم مع المجتمع التقليدي لا جدوى منه قبل حصول التحول الاجتماعي ـ الثقافي ـ السياسي العميق، أو.. الخ ما هناك من تخرصات لا تصمد أمام الحس السليم.
وعلى كل حال فإن ثمة تاريخاً طويلاً من حضور الاعتبارات المذكورة بهذا الشكل أو ذاك في نهج الأحزاب السياسية بما في ذلك بالطبع الأحزاب اليسارية، ومن المرجح أن الكثير من النساء والرجال قد جرّب ذلك بالقدر الكافي من المرارة وهو الأمر الذي يفترض امتلاك الجرأة العقلية والأدبية على طريق تأسيس مراجعة نقدية للوقوف ضد استمرار الخطأ بما في ذلك خطأ الاستخذاء أمام الكلمات الكبيرة، الثورة، السياسة، الظروف التاريخية.
وبهذا المعنى فإن الحقل النسوي يجب أن يتمتع بالاستقلال النسبي المعطى تاريخياً قولاً وفعلاً، بدلاً من الاستقلال الشكلي ناهيك عن أن يكون مجرد مخلب قط للسياسة ولأحزابها ومناهجها وممارساتها.
والآن بافتراض كل الحجج المذكورة صحيحة تماماً ـ وهي ليست كذلك ـ فإننا في سورية بشكل خاص لسنا على أبواب الثورة الاجتماعية ـ السياسية الشاملة، الأمر الذي يقود إلى ضرورة إرخاء قوس التسييس الكثيف للحقول الاجتماعية قليلاً أو كثيراً، والضرورة المذكورة ليست منطقية فحسب بل عملية أيضاً.
إن موت السياسة ـ بالمعنى الأصيل للعبارة ـ الذي ولده النظام الشمولي في المجتمع هو اليوم العقبة الأرأس أمام أي تغيير حقيقي حتى إشعار آخر، وحتى ذلك اليوم من المفترض تجاوز حالة الانتظار والالتفات إلى حقول نضال اجتماعية أخرى ـ من بينها بالتأكيد حقل حقوق المرأة ـ جنباً إلى جنب مع العمل الدؤوب لاستعادة المجتمع إلى السياسة.
2 ـ نظراً للطابع العام للسياق التاريخي الراهن ودرجة تطور المجتمع، وطبيعة الناشطات في هذا الحقل، فإن بالإمكان إثارة اتهام مؤداه أن هنالك تغريداً خارج السرب، وذلك لأن الناشطات المذكورات هنّ في الاتجاه العام من الطبقة الوسطى والفئات المثقفة بخاصة، ليس هذا فحسب، بل إن حقل نشاطهن يكاد يقتصر ـ لأسباب تاريخية واجتماعية معروفة للجميع ـ على هذه الطبقة نفسها وما يعلوها في التراتب الاجتماعي، وهو ما يجعل الحركة النسوية عرضة للاتهام بأنها بعيدة عن الأوساط الشعبية الفقيرة أو الجاهلة أو العاملة في مهن بعيدة عن تلك التي تعمل فيها النساء الناشطات بدءاً من العمل المنزلي وانتهاء بالعمل الزراعي في الريف مروراً بالعمل في المصانع والمعامل القائمة في نطاق المدن، وكذلك الأمر فيما يتعلق بقطاع التجارة والخدمات.. الخ. والاتهام هذا لا يخلو من وجه حق وصفياً على الأقل ـ ومع إمعان النظر والانتقال إلى حقل التحليل يتبين أن هذا الاتهام يقع في مطلب اللاتاريخية فشتّان ما بين القول: من الطبيعي أن تكون الحركة النسوية نخبوية في ظل شروط تاريخية معينة كما هو الحال في سورية اليوم مع الاعتراف أن ذلك يشكل نقطة ضعف حقيقية يجب تجاوزها، وبين القول: إن الحركة النسوية مرفوضة، أو على الأقل متهمة سلفاً ـ لعدم تجذرها في الأوساط الشعبية مباشرة ولطابعها النخبوي.
إن النخبوية ستظل تشكل مشكلة ينبغي حلها، وعائقاً في التكوين والعمل ما لم تتحول مع مرور الزمن إلى حركة ذات طابع شعبي إن لم أقل شعبية وهي بعيدة المنال.
إذن في الوقت الذي يجب فيه امتلاك الجرأة للاعتراف بخطر الدوران على الذات يجب النظر إلى ذلك بصفته أمراً واقعاً لا مفر منه في البداية، بل ربما كان من طبائع الأمور.
وما دمنا بهذا الصدد فإن بالإمكان القول: في بعض الأحوال يمكن أن تشكل حركة نسوية صغيرة ـ ولكنها نشطة وجذرية ـ أداة ضغط حقيقية ـ مهما تكن صغيرة ـ على القوى الاجتماعية والأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان أو الجامعات والمؤسسات والمدارس والأسر من أجل تغيير ملموس في وضع المرأة على الرغم من بقاء دور الدولة في مجتمعاتنا حاسماً إلى حد كبير.
إن العمل في هذه الحال على تشكيل منظمات ضغط اجتماعية للتأثير على صنع القرار مهمة جدّية ومسؤولية الجميع وبخاصة فيما يتعلق بتغيير القوانين السائدة واستصدار قوانين جديدة تتفق مع المواثيق العالمية بما في ذلك الاتفاقات الناظمة لحقوق المرأة، ويشكل الوصول إلى وسائل الإعلام الجماهيرية هدفاً حقيقياً وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمناهج الدراسية بدءاً من الرياض وانتهاء بالجامعة للعمل على تغيير الصورة النمطية للرجل والمرأة في المجتمع.
وسيكون مفيداً في هذا المجال توزيع كراسات شعبية بأسعار رمزية أو مجانية لفضح وتفسير الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة مادياً ومعنوياً في كل الحقول الاجتماعية، في الاقتصاد والقانون والدين واللغة والثقافة الشفهية، أعراف، تقاليد، عادات. والثقافة العالمة، أي الثقافة الرفيعة المكتوبة التي ترهف العقل والذائقة والروح.
ومن الجدير بالذكر أن الصورة المرئية تشكل الوسيلة الأكثر فعالية وربما كانت صورة واحدة معبرة عن واقع الحال أجدى من أطنان من الكتب.
إن الملصق المعبّر، الذكي والجذاب، يستنفر الضمير الإنساني والحس السليم ويشكل دافعاً للفعل مما يجعله أحد أهم المداخل إلى الحقل المذكور.
3 ـ ثمة أمر آخر يهدد الحركة النسوية هو خطر الانعزال عن العالم، عن المنظمات العالمية وبخاصة منها العاملة في هذا الحقل، وفي الغالب يغطي هذا الانعزال نفسه بعباءة سياسية أو أخلاقية أو أيديولوجية، الدين، القومية، الهوية، الخصوصية.. الخ.
ومن الضروري أن لا تقع الحركة المذكورة في هذا المطب، وأن ترفض بحزم الانعزال وأن تفند بكل عقلانية وواقعية وانفتاح الذرائع التي تكمن تحت العباءة وخلفها وأن تقطع الطريق على الابتزاز الساخر الذي تقوم به الحكومات والمؤسسات ذات الطابع الرجعي كائناً من كانت. وعلى هذا الصعيد يمكن النظر إلى موقف الوفود العربية والإسلامية في مؤتمري جنيف وبكين فيما يتعلق بحقوق المرأة وغيرها من القضايا، وهو موقف في غاية السلبية، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمواقف نفسها في مؤتمر القاهرة للسكان. إن ثمة عصاباً حقيقياً لدى هذه الأوساط السلطوية وغير السلطوية من مسائل مثل حقوق المرأة، والديمقراطية، والحريات وحقوق الإنسان بعامة. وتشكل بعض النصوص الدينية والاجتهادات الفقهية عندنا حارساً حقيقياً للنظام الأبوي وسداً منيعاً إلى حد كبير في وجه المطالب الإنسانية المشروعة للمرأة، بحيث يبدو الأمر وكأنه نظام أرضي محمي بنص سماوي مقدس.
وعلى النقيض من الخصوصية الحقيقية أو المزعومة وأياً يكن اسمها فإن العمل من أجل جعل المواثيق والقوانين الدولية معايير أساسية ومرجعية داخلية يشكل أهمية خاصة لمجتمعاتنا ونقلة هامة، بحق، إلى الأمام.
4 ـ ثمة تخوف مشروع هو خطر التحول إلى حركة جنسوية (نسبة إلى المرأة) تقوم على إقصاء الجنس الآخر، وهو هنا الرجل. وعلى الرغم من أن الرجل يتحمل الوزر الأساسي سابقاً واليوم فيما لحق المرأة من تمييز واضطهاد وانتقاص فإن الأمر في نهاية المطاف أبعد وأعمق وأشمل من حكاية الرجل هذه مهما تكن هامة، إنها حكاية السياق التاريخي للصيرورة المجتمعية للإنسان مادياً ومعنوياً، اقتصاداً وثقافة طبيعة واكتساباً، منذ عصر الصيد حتى الصناعة ومنذ تاريخ الأسرة الأمومية وحتى اليوم مروراً بالطبع بالمرحلة الحاسمة مرحلة تقسيم العمل الأول والثاني وما قام عليها بنيوياً وبخاصة الأسرة الأبوية.
5 ـ إن مشروعاً بأهمية المشروع المذكور بحاجة إلى ما يكفي من التمويل، ولا بد لحركة مثل حركتكم أن تطرح على نفسها حل هذه المعضلة سواء أكان ذلك عن طريق الاشتراكات أم التبرعات أم الاستثمارات أم المساعدات الإنسانية من المنظمات العاملة عالمياً أو بها كلها معاً.
وأياً يكن الحال فإن من الضروري أن تكون هذه المسألة في غاية الشفافية منعاً لكل سوء تصرف، ودرءاً لأمراض المال، وقطعاً لألسنة الاتهام.
6 ـ بما أن الفعل البشري يضع لنفسه في الاتجاه العام رموزاً موحية ـ فكرية كانت أم شخصية ـ يركن إليها ويستقوي بها فإن من المهم السعي للبحث في تاريخنا وتاريخ العالم القديم والحديث لإشهار شخصيات نسوية قادرة على تشكيل منارات مضيئة وجاذبة بالطبع مع أخذ النسبية والتاريخية بعين الاعتبار.
ويحضر في كل هذا الصعيد بعض الرموز العربية والإسلامية مثل عائشة بنت أبي بكر، وسكينة بنت الحسين، والأمثلة الحديثة معروفة جيداً، وأود أن أشير إلى رمز فارسي جدير جداً بالاحتفاء، إلى شخصية نسوية عاشت في القرن التاسع عشر، أقلقت بعمق المجتمع الراكد آنذاك صفوياً وعثمانياً(*) إنها قرّة العين.
7 ـ ليس الأفق وردياً أبداً، وما لم نتجاوز نطاق التخلف المريع، وما لم يستعد المجتمع ذاته في سورية فإننا نواجه خطر التسكع على هامش التاريخ ولمواجهة هذه الحال ليس من المعيب أن نبدأ الطريق بزحف السلحفاة. فالتخلف والجهل والفقر والقمع وموت السياسة والأنا الدائرة حول نفسها كفيلة بجعل أقوى العزائم في حالة تردد إن لم أقل غير ذلك.
إن أزمنة الموت المعنوي تشكل الرحم الطبيعي للإحباط ولكنها في الوقت نفسه تولّد النقيض ولو ببطء، فالتاريخ لا يرحم ولا بدّ لعجلته من الدوران وهو كفيل بأن تولّد البديل في حين يدهس بلا رحمة القديم.
آمل أن تكون رابطتكم هي البديل الذي بدأ للتوّ أولى خطواته في الزحف على الطريق الطويل، طريق بروميثيوس الجماعي ما دام الفرد في سياق الحضارة الراهنة أعجز من أن يكون ذلك كما كان ذات يوم.
(*) المقصود الإمبراطورية الصفوية الفارسية والإمبراطورية العثمانية.
رابطة النساء السوريات