دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع: 'الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر'
Source:
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 19/10/2004 تقريرها النوعي بعنوان دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع "الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر".والذي يقع في 35 صفحة .
ويأتي هذا التقرير ، ليطرح مجموعة من التساؤلات أهمها ، هل ينصب دور مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف على ضبط المصحف الشريف والأحاديث النبوية حتى لا يجرؤ أحد على تحريفهما ، أم يمتد هذا الدور إلى الرقابة على جميع الكتب والتفتيش فيها(!) ،خاصة الكتب الأدبية وتأويل أجزاء منها تأويلاً يؤدي إلى مصادرتها ، وهل يمثل منح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر عودة لعصور محاكم التفتيش وردة على فكرة الدولة المدنية أم أن هذه الضبطية تهدف إلى حماية الدين والثقافة الإسلامية فقط ، وماهية التشريع المنظم لدور الأزهر فيما يتعلق بحرية الإبداع ، وهل من المقبول أن تتحول مؤسسة علمية تختص بدراسة العلم الشرعي - كالأزهر الشريف - إلى ممارسة دور رقابي على حركة التأليف والمصنفات الأدبية والفنية،وهل لرجال الدين أن يمارسوا نوعاً من الولاية والوصاية على حرية الفكر والإبداع ؟، وهل من حق المبدعين والفنانين أن يقلقهم هذا التحول وهذا الدور؟ ولماذا ؟ ، وهل من المعقول أن تستمر السلطات المصرية في مواجهة ثورة المعلومات والاتصالات عبر ملاحقة الأفكار ومنع المطبوعات ؟ ، وكيف السبيل إلى الموازنة بين الحق الإنساني في حرية الفكر والتعبير وبين الحق الثقافي في حماية القيم والمعتقدات؟ .
وللإجابة على تلك التساؤلات جاء التقرير متضمناً الأقسام التالية :
القسم الأول : حرية الفكر والإبداع وبدايات المحاصرة
ويتناول بالرصد والتوثيق الكتب والروايات والدواوين التي تمت مصادرتها بدءاً من فترة العشرينات وحتى التسعينيات، ومن أمثلة ذلك مصادرة كتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" عام 1926 ، وكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين عام 1927 ، كما هوجم كتاب "ابن رشد وفلسفته" لفرح أنطون بضراوة لأنه أعتبر أن ما أتى به هذا الفيلسوف الإسلامي من أفكار يصلح لأن يكون أساساً للعلمانية ، وأدى الهجوم عليه إلى إغلاق مجلة "الجامعة" التي كان يصدرها أنطون .وقد وصل الأمر إلى حد المطالبة داخل أروقة مجلس الشعب عام 1978 بإحراق كتاب "ألف ليلة وليلة" وكتاب "الفتوحات المكية" للصوفي الكبير محي الدين بن عربي . وغير ذلك من أمثلة أخرى . أما فترة التسعينيات ، فقد تزامن صعود التيارات الإسلامية المتطرفة مع تزايد الدور الرقابي لمؤسسة الأزهر، مما أدى إلى تصاعد حملات التكفير ضد الصحفيين والكتاب والمفكرين ، وكذلك تصعيد حملات العنف ضدهم بدئاً من اغتيال المفكر العلماني د.فرج فودة في يونيو1990 ، ووصولاً إلى محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ في أكتوبر 1994. ومؤخراً تم تكفير الكاتب أسامة أنور عكاشة والتشكيك في إيمانه ، والسعي إلى تفريقه عن زوجته في أروقة المحاكم ، وذلك لمجرد أنه قال رأياً مخالفاً - لمن يعتبرون أنفسهم أوصياء على الإسلام والمسلمين - في عمرو بن العاص .
أما بالنسبة لدور الأزهر خلال هذه الفترة ، فقد قامت لجنة من مجمع البحوث الإسلامية بمصادرة ثمانية كتب بنفسها ، من معرض القاهرة الدولي الرابع والعشرون للكتاب ، مما يشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع الأدبي والفني والتي كفلتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، واعتداء على الدستور والقانون ، بما في ذلك قانون الأزهر ذاته.فبمراجعة القانون 103 لعام 1961 ، نجد أنه قد نص على منح مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر حق مراقبة بعض الكتب ، إلا أنه قصرها على كتب القرآن والسنة ، ولم يمنحه حق القيام بالمصادرة بنفسه ، بل قصره على حق التوصية بذلك فقط .
وقد شهدت التسعينات أيضاً ، قيام الأجهزة الأمنية بمصادرة العديد من الكتب والأعمال الفكرية ، إما لأنها تمس نظام الحكم الذي تخشى السلطة من الاقتراب منه ، وإما إرضاء للتيارات الإسلامية المتعصبة والذي تكتسب الدولة منها الشرعية ، ومن أمثلتها كتب "النبي المسلح" و"الاسلامبولى ورؤية جديدة لتنظيم الجهاد" للكاتب رفعت سيد أحمد ، و " لماذا نقول لا لمبارك في الاستفتاء الرئاسي القادم " للدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين ، و" عمر عبد الرحمن الزلزال الذي هز العالم " للمؤلف عصام كامل أحمد، و" من قتل المحجوب" للمؤلف منتصر الزيات ، و"هموم قبطية" للمحامي موريس صادق ، و"حالة حقوق الإنسان في مصر سنة 1993" صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ....إلخ .كما يتضمن هذا القسم قائمة بالكتب التي صودرت في مطلع التسعينيات وحتى الآن، والتي بلغ عددها حوالي 81 كتاباً .
القسم الثاني : الأزهر والمزيد من القيود على الحياة الفكرية
ويتناول التشريع المنظم لدور الأزهر فيما يتعلق بحرية الإبداع ، والفتوى القانونية -التي أصدرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بناء على رسالة وجهها شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي للجمعية - حول تحديد اختصاصات كل من الأزهر الشريف ووزارة الثقافة في التصدي للأعمال الفنية والمصنفات السمعية أو السمعية البصرية التي تتناول قضيا إسلامية أو تتعارض مع الإسلام ومنعها من الطبع أو التسجيل أو النشر أو التوزيع والتداول إعمالاً للصلاحيات المخولة لكل منهما بمقتضى القوانين واللوائح .
كما أوضح هذا القسم أيضاً صور تدخل الأزهر الشريف في الرقابة على حرية الفكر والإبداع خلال عهدي الشيخ جاد الحق علي جاد الحق والشيخ سيد طنطاوي ، وعرض للضوابط التي وضعها مجمع البحوث الإسلامية في عهد الثاني للرقابة على تلك الحرية ، وفي ضوء تلك الضوابط صودرت العديد من الكتب والمطبوعات ومن أمثلتها كتب "الإجهاض ضرورة قومية والاعتقاد ضرورة علمية " للدكتور محمد عبد المعطي ، و"هذا قرأني " للكاتب محمد عبد الرازق عفيفي ، و"زواج المتعة الحلال بين الدين والتطور والقانون" للمؤلف أحمد سالم ، وغير ذلك من أمثلة .
القسم الثالث : حماية الدين وحرية الفكر.... إشكالية تبحث عن حل
ويوضح هذا القسم الآراء من قرار وزير العدل المستشار فاروق سيف النصر الصادر في 2/8/2003 -ولكن بدء في تطبيقه خلال شهر مايو 2004-والذي نص على منح عشرة من رجال الأزهر سلطة ملاحقة المصاحف التي توزع في الأسواق من دون موافقة أو تصريح من الأزهر وتحريك القضايا الجنائية ضد موزعيها، وأعطى القرار للشيوخ العشرة حق اتخاذ الإجراءات نفسها ضد ناشري كتب الحديث، إذا رأى مجمع البحوث أنها "تحوي ما يسيء إلى الإسلام وتخالف أحكام القانون رقم 102 لعام 1985 ".
وتمثلت هذه الآراء في وجهتي نظر ، أولهما يمثلها رجال الدين ومشايخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ، والذين أكدوا أن منح الضبطية القضائية للأزهر لا يعني عودة محاكم التفتيش أو مصادرة الإبداع ، ولكن الهدف من ذلك حماية الدين والثقافة الإسلامية وتجريدها من الشوائب والمدسوسات والخرافات ، لاسيما بعد أن اجتاحت الأسواق موجة شرائط كاسيت ومؤلفات تحمل أخطاء جسيمة وكذلك مصاحف تحوي أخطاء في السور والآيات . وثانيهما يمثلها المفكرين والأدباء وناشطي حقوق الإنسان ، ومنذ البدايات الأولى للإعلان عن القرار أعربوا عن رفضهم له باعتباره قيد إضافي على حرية الفكر الإبداع وردة على فلسفة الدولة المدنية، وسيعطي دور للأزهر أوسع مما يقرره القانون الذي يقصر دوره علي البحث في القرآن والسنة والشريعة وما يتعلق بها ، مؤكدين أنه برغم تحديد قرار وزير العدل مهمة الأزهر في تنظيم طبع المصاحف والأحاديث النبوية، ولكنه ما هو الضمان أن لا يكون القرار وسيلة لانتهاك حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد التي فوق القانون نفسه وفوق النصوص الدستورية ؟ .
وفي هذا الإطار ، تؤكد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنه إذا كان الدور الرقابي للمجمع ينصب على ضبط المصحف الشريف والأحاديث والحفاظ عليهما فلا اعتراض على ذلك ، ولكن السنوات الأخيرة تكشف عن عشرات التقارير التي حررها أعضاء مجمع البحوث ضد روايات كثيرة ودواوين شعرية وأبحاث علمية وكتب في الفكر الديني وتجديد الخطاب الديني والأجتهاد ، الأمر الذي يخرج المجمع عن دوره في ضبط المصحف والحديث ، ويتحول إلى محكمة تفتيش تحاصر حرية الفكر والإبداع . والأدلة على ذلك كثيرة ففي أعقاب البدء في تطبيق قرار منح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر، قرر مجمع البحوث الإسلامية في شهر يونيه الماضي التوصية بمصادرة خمسة كتب دفعة واحدة، هي رواية "سقوط الإمام" للكاتبة نوال السعداوي، وكتاب "الماسونية ديانة أم بدعة" لاسكندر شاهين، وكتاب "نداء الضمير" للمؤلف علي يوسف علي و" مدينة معاجز الأئمة الأثني عشر ودلائل الحج على البشر"، لمؤلفه سيد هاشم البحراني ، وكتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود" لمؤلّفه الشيخ خليل رزق. وفي شهر أغسطس الماضي صودر كتاب" مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث" للمفكر الإسلامي جمال البنا.
القسم الرابع :نوال السعدواي و جمال البنا نموذجاً
ويتناول هذا القسم بشيء من التفصيل حالتي نوال السعداوي وجمال البنا باعتبارهم ضحايا منح الضبطية القضائية للأزهر ، فقد جاء قرار المنع الاعتباطي من قبل مجمع البحوث الإسلامية لرواية "سقوط الإمام" للسعدواي ، برغم أنها قد صدرت قبل عشرين عاماً عن دار المستقبل المصرية ولم تتعرض لأي قرار بمنعها من الأزهر أو من غيره ، وترجمت إلى 14 لغة من بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والسويدية والاندونيسية ، وتم إعادة طبعها مرات عدة باللغة العربية .
أما بالنسبة للمفكر الإسلامي جمال البنا ، فقد أوصى أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في شهر أغسطس الماضي بمصادرة كتابه"مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث ".ومنعه من الطبع والتوزيع، برغم من أن هذا الكتاب مطبوع منذ عشر سنوات مضت ! .
القسم الخامس : التوصيات
ودفاعاً عن حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع ، توصي المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقريرها بعدة توصيات، ولعل أهمها : 1- إطلاق حملة من أجل الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع -التي لا يجب أن تخضع بأي شكل من الأشكال لرقابة المؤسسات الدينية ، وذلك أن القانون أناط بوزارة الثقافة مسئولية الرقابة على المصنفات الفنية والسمعية-تشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ، وتتضمن إصدار سلسلة من الكتيبات والمطبوعات تحمل اسم "دفاعاً عن الحرية "، بهدف تعميق معنى الحرية وتجذيرها في المجتمع المصري، وتنظيم الندوات واللقاءات حول الحرية الفكرية في جميع محافظات مصر ، وإنشاء شبكة عمل مشتركة لمواصلة الدفاع عن مفهوم الدولة المدنية ونشره بين المواطنين وفض الاشتباك بين هذا المفهوم وبين الإلحاد، وإصدار دورية شهرية بعنوان"مرصد للدولة المدنية" .
2- إلغاء قرار وزير العدل -والذي يعتبر مجرد قراراً إدارياً وليس قانونا-ً بمنح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر، وذلك لمخالفته لقانون الأزهر ولائحته التنفيذية، فالأخير لا يمنح سوى صلاحية الرأي لمجمع البحوث الإسلامية ، في حين أن الأمور الخاصة بحرية الفكر والأدب والإبداع لها مختصيها ، ولا علاقة لها برجال الدين ، وكذلك لمخالفته الصريحة لنصوص الدستور والمواثيق الدولية .
3-التزام الحكومة المصرية بالدستور فيما يخص الحق في حريات الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد ، فقد نصت المادة (49) من الدستور على أن "تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي ، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك" ، وضرورة تنقيح البنية التشريعية من النصوص التي تمثل انتهاكا للحق في حرية الرأي والفكر والاعتقاد ، وضرورة التزام الحكومة المصرية أيضاً بالمواثيق الدولية المعنية بحرية الفكر والتعبير والفكر والإبداع ( المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) والتي أصبحت جزء من القانون المصري بعد التصديق عليه.
4- رفع وصاية رجال الدين على الفكر والأدب والفن في مصر ، وذلك في إطار ما سبق وإن طالبت به المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مراراً من ضرورة إسقاط كل القيود على حريات الرأي والتعبير ، وإلغاء كافة صور الرقابة على الصحافة والنشر وتداول المطبوعات ، وكافة أشكال الإبداع الأدبي والفني .
وللإجابة على تلك التساؤلات جاء التقرير متضمناً الأقسام التالية :
القسم الأول : حرية الفكر والإبداع وبدايات المحاصرة
ويتناول بالرصد والتوثيق الكتب والروايات والدواوين التي تمت مصادرتها بدءاً من فترة العشرينات وحتى التسعينيات، ومن أمثلة ذلك مصادرة كتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" عام 1926 ، وكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين عام 1927 ، كما هوجم كتاب "ابن رشد وفلسفته" لفرح أنطون بضراوة لأنه أعتبر أن ما أتى به هذا الفيلسوف الإسلامي من أفكار يصلح لأن يكون أساساً للعلمانية ، وأدى الهجوم عليه إلى إغلاق مجلة "الجامعة" التي كان يصدرها أنطون .وقد وصل الأمر إلى حد المطالبة داخل أروقة مجلس الشعب عام 1978 بإحراق كتاب "ألف ليلة وليلة" وكتاب "الفتوحات المكية" للصوفي الكبير محي الدين بن عربي . وغير ذلك من أمثلة أخرى . أما فترة التسعينيات ، فقد تزامن صعود التيارات الإسلامية المتطرفة مع تزايد الدور الرقابي لمؤسسة الأزهر، مما أدى إلى تصاعد حملات التكفير ضد الصحفيين والكتاب والمفكرين ، وكذلك تصعيد حملات العنف ضدهم بدئاً من اغتيال المفكر العلماني د.فرج فودة في يونيو1990 ، ووصولاً إلى محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ في أكتوبر 1994. ومؤخراً تم تكفير الكاتب أسامة أنور عكاشة والتشكيك في إيمانه ، والسعي إلى تفريقه عن زوجته في أروقة المحاكم ، وذلك لمجرد أنه قال رأياً مخالفاً - لمن يعتبرون أنفسهم أوصياء على الإسلام والمسلمين - في عمرو بن العاص .
أما بالنسبة لدور الأزهر خلال هذه الفترة ، فقد قامت لجنة من مجمع البحوث الإسلامية بمصادرة ثمانية كتب بنفسها ، من معرض القاهرة الدولي الرابع والعشرون للكتاب ، مما يشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع الأدبي والفني والتي كفلتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، واعتداء على الدستور والقانون ، بما في ذلك قانون الأزهر ذاته.فبمراجعة القانون 103 لعام 1961 ، نجد أنه قد نص على منح مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر حق مراقبة بعض الكتب ، إلا أنه قصرها على كتب القرآن والسنة ، ولم يمنحه حق القيام بالمصادرة بنفسه ، بل قصره على حق التوصية بذلك فقط .
وقد شهدت التسعينات أيضاً ، قيام الأجهزة الأمنية بمصادرة العديد من الكتب والأعمال الفكرية ، إما لأنها تمس نظام الحكم الذي تخشى السلطة من الاقتراب منه ، وإما إرضاء للتيارات الإسلامية المتعصبة والذي تكتسب الدولة منها الشرعية ، ومن أمثلتها كتب "النبي المسلح" و"الاسلامبولى ورؤية جديدة لتنظيم الجهاد" للكاتب رفعت سيد أحمد ، و " لماذا نقول لا لمبارك في الاستفتاء الرئاسي القادم " للدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين ، و" عمر عبد الرحمن الزلزال الذي هز العالم " للمؤلف عصام كامل أحمد، و" من قتل المحجوب" للمؤلف منتصر الزيات ، و"هموم قبطية" للمحامي موريس صادق ، و"حالة حقوق الإنسان في مصر سنة 1993" صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ....إلخ .كما يتضمن هذا القسم قائمة بالكتب التي صودرت في مطلع التسعينيات وحتى الآن، والتي بلغ عددها حوالي 81 كتاباً .
القسم الثاني : الأزهر والمزيد من القيود على الحياة الفكرية
ويتناول التشريع المنظم لدور الأزهر فيما يتعلق بحرية الإبداع ، والفتوى القانونية -التي أصدرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بناء على رسالة وجهها شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي للجمعية - حول تحديد اختصاصات كل من الأزهر الشريف ووزارة الثقافة في التصدي للأعمال الفنية والمصنفات السمعية أو السمعية البصرية التي تتناول قضيا إسلامية أو تتعارض مع الإسلام ومنعها من الطبع أو التسجيل أو النشر أو التوزيع والتداول إعمالاً للصلاحيات المخولة لكل منهما بمقتضى القوانين واللوائح .
كما أوضح هذا القسم أيضاً صور تدخل الأزهر الشريف في الرقابة على حرية الفكر والإبداع خلال عهدي الشيخ جاد الحق علي جاد الحق والشيخ سيد طنطاوي ، وعرض للضوابط التي وضعها مجمع البحوث الإسلامية في عهد الثاني للرقابة على تلك الحرية ، وفي ضوء تلك الضوابط صودرت العديد من الكتب والمطبوعات ومن أمثلتها كتب "الإجهاض ضرورة قومية والاعتقاد ضرورة علمية " للدكتور محمد عبد المعطي ، و"هذا قرأني " للكاتب محمد عبد الرازق عفيفي ، و"زواج المتعة الحلال بين الدين والتطور والقانون" للمؤلف أحمد سالم ، وغير ذلك من أمثلة .
القسم الثالث : حماية الدين وحرية الفكر.... إشكالية تبحث عن حل
ويوضح هذا القسم الآراء من قرار وزير العدل المستشار فاروق سيف النصر الصادر في 2/8/2003 -ولكن بدء في تطبيقه خلال شهر مايو 2004-والذي نص على منح عشرة من رجال الأزهر سلطة ملاحقة المصاحف التي توزع في الأسواق من دون موافقة أو تصريح من الأزهر وتحريك القضايا الجنائية ضد موزعيها، وأعطى القرار للشيوخ العشرة حق اتخاذ الإجراءات نفسها ضد ناشري كتب الحديث، إذا رأى مجمع البحوث أنها "تحوي ما يسيء إلى الإسلام وتخالف أحكام القانون رقم 102 لعام 1985 ".
وتمثلت هذه الآراء في وجهتي نظر ، أولهما يمثلها رجال الدين ومشايخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ، والذين أكدوا أن منح الضبطية القضائية للأزهر لا يعني عودة محاكم التفتيش أو مصادرة الإبداع ، ولكن الهدف من ذلك حماية الدين والثقافة الإسلامية وتجريدها من الشوائب والمدسوسات والخرافات ، لاسيما بعد أن اجتاحت الأسواق موجة شرائط كاسيت ومؤلفات تحمل أخطاء جسيمة وكذلك مصاحف تحوي أخطاء في السور والآيات . وثانيهما يمثلها المفكرين والأدباء وناشطي حقوق الإنسان ، ومنذ البدايات الأولى للإعلان عن القرار أعربوا عن رفضهم له باعتباره قيد إضافي على حرية الفكر الإبداع وردة على فلسفة الدولة المدنية، وسيعطي دور للأزهر أوسع مما يقرره القانون الذي يقصر دوره علي البحث في القرآن والسنة والشريعة وما يتعلق بها ، مؤكدين أنه برغم تحديد قرار وزير العدل مهمة الأزهر في تنظيم طبع المصاحف والأحاديث النبوية، ولكنه ما هو الضمان أن لا يكون القرار وسيلة لانتهاك حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد التي فوق القانون نفسه وفوق النصوص الدستورية ؟ .
وفي هذا الإطار ، تؤكد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنه إذا كان الدور الرقابي للمجمع ينصب على ضبط المصحف الشريف والأحاديث والحفاظ عليهما فلا اعتراض على ذلك ، ولكن السنوات الأخيرة تكشف عن عشرات التقارير التي حررها أعضاء مجمع البحوث ضد روايات كثيرة ودواوين شعرية وأبحاث علمية وكتب في الفكر الديني وتجديد الخطاب الديني والأجتهاد ، الأمر الذي يخرج المجمع عن دوره في ضبط المصحف والحديث ، ويتحول إلى محكمة تفتيش تحاصر حرية الفكر والإبداع . والأدلة على ذلك كثيرة ففي أعقاب البدء في تطبيق قرار منح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر، قرر مجمع البحوث الإسلامية في شهر يونيه الماضي التوصية بمصادرة خمسة كتب دفعة واحدة، هي رواية "سقوط الإمام" للكاتبة نوال السعداوي، وكتاب "الماسونية ديانة أم بدعة" لاسكندر شاهين، وكتاب "نداء الضمير" للمؤلف علي يوسف علي و" مدينة معاجز الأئمة الأثني عشر ودلائل الحج على البشر"، لمؤلفه سيد هاشم البحراني ، وكتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود" لمؤلّفه الشيخ خليل رزق. وفي شهر أغسطس الماضي صودر كتاب" مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث" للمفكر الإسلامي جمال البنا.
القسم الرابع :نوال السعدواي و جمال البنا نموذجاً
ويتناول هذا القسم بشيء من التفصيل حالتي نوال السعداوي وجمال البنا باعتبارهم ضحايا منح الضبطية القضائية للأزهر ، فقد جاء قرار المنع الاعتباطي من قبل مجمع البحوث الإسلامية لرواية "سقوط الإمام" للسعدواي ، برغم أنها قد صدرت قبل عشرين عاماً عن دار المستقبل المصرية ولم تتعرض لأي قرار بمنعها من الأزهر أو من غيره ، وترجمت إلى 14 لغة من بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والسويدية والاندونيسية ، وتم إعادة طبعها مرات عدة باللغة العربية .
أما بالنسبة للمفكر الإسلامي جمال البنا ، فقد أوصى أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في شهر أغسطس الماضي بمصادرة كتابه"مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث ".ومنعه من الطبع والتوزيع، برغم من أن هذا الكتاب مطبوع منذ عشر سنوات مضت ! .
القسم الخامس : التوصيات
ودفاعاً عن حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع ، توصي المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقريرها بعدة توصيات، ولعل أهمها : 1- إطلاق حملة من أجل الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع -التي لا يجب أن تخضع بأي شكل من الأشكال لرقابة المؤسسات الدينية ، وذلك أن القانون أناط بوزارة الثقافة مسئولية الرقابة على المصنفات الفنية والسمعية-تشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ، وتتضمن إصدار سلسلة من الكتيبات والمطبوعات تحمل اسم "دفاعاً عن الحرية "، بهدف تعميق معنى الحرية وتجذيرها في المجتمع المصري، وتنظيم الندوات واللقاءات حول الحرية الفكرية في جميع محافظات مصر ، وإنشاء شبكة عمل مشتركة لمواصلة الدفاع عن مفهوم الدولة المدنية ونشره بين المواطنين وفض الاشتباك بين هذا المفهوم وبين الإلحاد، وإصدار دورية شهرية بعنوان"مرصد للدولة المدنية" .
2- إلغاء قرار وزير العدل -والذي يعتبر مجرد قراراً إدارياً وليس قانونا-ً بمنح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر، وذلك لمخالفته لقانون الأزهر ولائحته التنفيذية، فالأخير لا يمنح سوى صلاحية الرأي لمجمع البحوث الإسلامية ، في حين أن الأمور الخاصة بحرية الفكر والأدب والإبداع لها مختصيها ، ولا علاقة لها برجال الدين ، وكذلك لمخالفته الصريحة لنصوص الدستور والمواثيق الدولية .
3-التزام الحكومة المصرية بالدستور فيما يخص الحق في حريات الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد ، فقد نصت المادة (49) من الدستور على أن "تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي ، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك" ، وضرورة تنقيح البنية التشريعية من النصوص التي تمثل انتهاكا للحق في حرية الرأي والفكر والاعتقاد ، وضرورة التزام الحكومة المصرية أيضاً بالمواثيق الدولية المعنية بحرية الفكر والتعبير والفكر والإبداع ( المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) والتي أصبحت جزء من القانون المصري بعد التصديق عليه.
4- رفع وصاية رجال الدين على الفكر والأدب والفن في مصر ، وذلك في إطار ما سبق وإن طالبت به المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مراراً من ضرورة إسقاط كل القيود على حريات الرأي والتعبير ، وإلغاء كافة صور الرقابة على الصحافة والنشر وتداول المطبوعات ، وكافة أشكال الإبداع الأدبي والفني .