سوريات يناضلن للحفاظ على انفسهن وأسرهن في متاهات اللجوء
وثائقيات حقوق الانسان- اسماء رجا
داخل خيمة في مخيم الزعتري الذي يمتد على مرمى البصر في اكثر البقاع قحولة في صحراء شمال الاردن، تجلس ام طلال وعيناهها لا تنفكان تتفقدان طفلتها التي تعاني من ازمة صدرية زادت في حدتها الحرارة والاتربة التي تكتم الانفاس.
“لا نريد طعاما ولا ماء. ما نريده الاهتمام بنا كبشر”.
اختزلت ام طلال بهذه العبارة حجم المرارة التي تعتمل في نفسها بعدما آلت اليه اسرتها من اوضاع لا تقل قسوة عن رحلة اللجوء ذاتها.
وتشمل معاناة اللاجئين في المخيم كافة مناحي حياتهم من تعليم وصحة وعمل ومأوى وغذاء.
لكن المعاناة تكتسي طابعا اكثر حدة بالنسبة للاجئات ممن وجدن انفسهن فجأة بلا معيل بعدما فقدن الوطن.
فهؤلاء بتن امام مهمة مضاعفة: الحفاظ على وحدة اسرهن، وقبل ذلك على انفسهن بعدما اصبح البعض ينظر اليهن كسلعة، سواء داخل او خارج المخيم.
وما زال مخيم الزعتري الذي مضى على اقامته اكثر من عام يفتقر إلى بنية تحتية مناسبة، وذلك رغم الجهود التي يبذلها الاردن من اجل تحسين شروط المعيشة فيه عبر تعبيد الطرق وايصال الكهرباء وانارة الشوارع.
وينقسم المخيم الى 12 قاطعا (تجمع سكني) في كل منها عشرة الاف لاجئ، ويضم نحو 17 الف كرفان ونحو ثمانية الاف خيمة.
ويعمل داخله أكثر من 50 مؤسسة اغاثة دولية، واقيمت فيه ست مستشفيات بحسب ما يوضحه علي بيبي مدير التعاون والعلاقات الخارجية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويشير بيبي الى ان كل واحد من القواطع السكنية في المخيم يتم تزويده بكافة المرافق من مخفر أمني وبقالات ومستشفى ومدارس ومناطق آمنة للعب الأطفال.
ويزيد عدد اللاجئين السوريين في الاردن على مليون ومئتي ألف وفق الارقام الرسمية.
ويتواجد حوالي 15 بالمئة منهم في الزعتري ومخيم مريجيب الفهود القريب من مدينة الزرقاء شمال شرق العاصمة عمان، فيما تنتشر البقية في المدن والمحافظات الاردنية.
وخارج المخيم تصطدم اللاجئات كما تحدثن “لوثائقيات حقوق الانسان” بظروف لا تقل قسوة عما هو الحال في الزعتري.
ففي سوق العمل يواجهن استغلالا ماديا وجنسيا، وينظر اليهن احيانا باعتبارهن “سلعة” كما تقول اللاجئة فطيم التي تضيف ان “كل شيء سىء يلصقونه باللاجئات السوريات”.
تتحدث فطيم عن ساعات عمل طويلة وأجور متدنية لا تتجاوز الحد الادنى للاجور (190 دينارا) لمجرد انهن لاجئات فقط على حد تعبيرها.
وايضا تشير الى مشكلة التعليم، حيث ان ابناء اللاجئات لا يتاح لهم اكمال تعليمهم رغم ان وزارة التربية في الاردن سمحت باستقبالهم في المدارس الحكومية في الفترات المسائية.
اما اللاجئات انفسهن فلا يحق لهن اكمال تعليمين بعد الصف التاسع، كما توضح فطيم..
فيما اعتبرت اللاجئة رانيا المقيمة في عمان، ان من اخطر اشكال استغلال ظرف اللجوء تزويج اللاجئات وبمهور قليلة او دون مهور. وتطالب رانيا الجهات المعنية بوضع حد لهذه الظاهرة.
وتوثق سجلات دائرة قاضي القضاة الاردنية لـ 1163 حالة زواج للاجئات سوريات منذ اندلاع الازمة السورية في آذار 2011 وحتى حزيران 2013، منها 671 حالة من اردنيين، والباقي من عرب واجانب.
وتشير الناشطة السورية ريما فليحان الى قلة فرص العمل المتاحة للاجئين، والى الحاجة الى دعمهم ماديا ونفسيا، وهي امور تعتبر انها من مسؤولية الامم المتحدة .
كما تلفت الى ما اعتبرته استغلالا يتعرض له اللاجئون السوريون في الاردن، ويتمثل في رفع ايجارات المساكن عليهم بصورة مبالغ فيها.
وايضا توجه فليحان انتقادا حادا لما وصفته ببطء إجراءات مفوضية الامم المتحدة في تسجيل اللاجئيين مما يحرمهم لاشهر احيانا من الخدمات الصحية المرتبطة بها بشكل مباشر.
وتقول ان “المفوضية لديها مشكلة في ما يتعلق بالحاجات الانسانية للاسر عموما وللاجئات خصوصا”.
وتؤكد لاجئات انهن لا يتلقين خدمات صحية في حال اغلاق المفوضية مكاتبها او عند فقدانهن للبطاقة المخصصة للاجئيين.
ومن جهته، يرى عالم الاجتماع موسى شتيوي، ان النساء اللاجئات المعيلات لاسرهن يواجهن ضغوطا نفسية ومادية واجتماعية بشكل اكبر، يجعلهن عرضة لاستغلال جنسي.
ويقول شتيوي وهو مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية ان “هناك ضغوطا مرتبطة بشح المصادر (في الاردن) ما يؤثر على اوضاع اللاجئات”.
ويضيف ان “المطلوب توفير الحاجات الاساسية من صحة وتعليم وغذاء وغيرها، ولا نتكلم هنا عن حقوق مواطنة اردنية”.
وحسب استطلاع للراي اجراه مركز الدراسات الاسترايتيجة في الجامعة الاردنية، فقد اعتبر 87% ان وجود اللاجئين في مخيمات منفصلة خاصة بهم هو أفضل من إعطائهم الخيار في السكن أينما شاءوا.
كما عبر92% من المستطلعين عن اعتقادهم بان وجود اللاجئين السوريين في المملكة يزيد من الضغط الاقتصادي والخدمات على الحكومة، ويؤثر على فرص العمل المتاحة للأردنيين