ستحب المرأة "المرأة" حين تكتسب ثقتها في ذاتها
يتحدث العالم دائما عن اضطهاد الرجل للمرأة...بهضم حقوقها...و ما تعيشه من قمع مادي و معنوي..و العنف بأنواعه قولا و فعلا إلى حد ارتكاب الجريمة...و لا يعرف البعض كلمة "جريمة" إلا إذا كانت تحتوي على الدم و سيلانه..في حال أن معنى"الجريمة" يتجاوز المفهوم الحصري للكلمة إلى عدة مفاهيم...فالعنف اللفضي يعد "جريمة" لأن تبعاته خطيرة..كالانطواء على النفس..قلة أو انعدام الثقة بالذات..كره الآخرين..النقمة الشديدة..الحسد ..الغيرة..التذبذب الذهني و الفكري..ضعف و خمول الذاكرة و الجسد..اضطراب علاقة "الأنا"; بال"هو" ..نظرا لما يعانيه من تسلط لل"أنا" الأعلى...فتصاب الذات بحالة من" العصاب"...و قد لا يظهر" العصاب" أو "حالة الهستيريا في الشخص ظهورا جليا وواضحا..بل قد لا نلحظها أبدا..لكنه لا ينفك يتكاثف و يتضاعف فيظهر في حالات قد تبدو غير طبيعية..كفتح الحقيبة بشكل مستمر لتأكد من وجود المفاتيح و الشعور بالاطمئنان..كالعودة إلى باب المنزل مرارا للتأكد من إحكام غلقه..أو النظر في المرآة مليا للاطمئنان على المظهر الخارجي....
و رغم كل ما تأكد تبقى الشكوك تراود الذات و تطاردها فيتخيل الفرد أن بيته يحترق..أو أن سيارته قد سرقت..أو أن مظهره الخارجي غير مناسبا.. و من هذا الباب حالات كثيرة و متعددة...تؤثر على الشخص شيئا فشيئا و تكون –ربما- طريقا الوصول إلى الجريمة في حق الذات لأن تعذيب الذات "جريمة" معنوية قد تؤدي إلى جريمة مادية فعلية ....و لسنا نعني هنا أن الذات لا تتعرض للعنف في مسيرتها الحياتية بل يحدث ذلك لكل البشر و لكن بدرجات متفاوتة..فما نقصده هو ما يسمى بالكثرة و الاستمرارية و كثرة و استمرار هذه الظاهرة مع الشخص الواحد و من طرف واحد أو من أطراف متعددة تؤدي حتما إلى الانهيار فتقل الثقة في الذات أو تكاد تنعدم...
و من هنا تبدأ قصة العنف المتكررة و الممارسة من جيل إلى جيل..فنرى هذا الجيل يعاقب الجيل اللاحق نتيجة ما تعرض له من عقاب من طرف الأجيال السابقة مما أدى إلى العواقب الوخيمة..و المأساة الكبرى أننا كثيرا ما نرى ممارسات عنيفة و سيئة من المرأة تجاه المرأة تبدأ من الأم تجاه ابنتها و هنا تكمن الطامة الكبرى...أعرف العديد من الفتيات اللاتي تعرضن للعنف بشتى أنواعه من قبل أمهاتهن و استمر من الطفولة حتى الكبر و إلى ما بعد زواجهن ...و الأمثلة عديدة...فقد ترى الأم في ابنتها الغريمة أو الضرة..و قد ترى ذاتها التي تعرضت للقمع في ذات ابنتها التي تعيش في زمن جديد مختلفا عن زمنها...فتشعر بالهوة بينهما و تتصرف دون شعور منها بشكل عنيف غير مفهوم و ليس له مبررا..كأن تجبرها على لبس معين أو كلام معين...أو تجبرها على القيام بأعمال منزلية متعددة بطريقة تعسفية ضانة بذلك أنها تساهم في نضجها و تسلمها المسؤولية..و يتجاوز الأمر إلى القسر أحيانا...
و قد تصل المسألة ببعض الأمهات إلى الغيرة من بناتهن عندما يقفن أمام المرآة للاعتناء بذاتهن..في هذه الحالة تشعر أن زمنها قد ولى و تفقد ثقتها في ذاتها و تصب جام قلقها النفسي و غضبها المعنوي في فلذة كبدها عن قصد أو دون قصد..فيختفي الحب هنا و المشاعر التي كان من المفروض أن تجمعهما بدلا عن حالة النفور و القلق الكبيران..و تجبرها أيضا على البقاء بالمنزل بعكس الذكور اللذين يتجاوزون كل المسائل و يترددون على المقاهي و يخرجون من سجن البيت ...و لا تكتف بذلك بل تتابع اهتماماتها ليس بدافع الاعتناء بل بدافع الشك و الخوف و خاصة على الشرف في حال أن مفهوم "الشرف" يتجاوز المعنى الجسدي إلى ما هو أعمق..و قد ذكرنا سابقا أن المحافظة و التربية السليمة و الحب و الحنان من صفة النبلاء و الشرفاء..و يختلف العنف من الطفولة إلى الشباب و يستمر حتى إلى فترة ما بعد الزواج التي تعتقد الأم أنه يحق لها التدخل في حياة ابنتها الخاصة و تتجرأ بسؤالها عن سبب تأخر الحمل أوبسؤالها عن ليلة زفافها و غيره...أو أن تطلب منها مساعدتها في شؤون منزلها "منزل الأم" ليس بطيب خاطر بل بتذكيرها بشكل غير مباشر بطاعة الوالدين..و المعاملة الحسنة ...رغم أن البنت تعمل خارج المنزل و لها مسؤولية زوجها و بيتها و أطفالها...و شدة خوف البنت من الاعتقاد الراسخ بأن الطاعة تكمن في هذا الباب يجعلها ترضخ ...و تستمر حياتها على هذا النحو إلى حد إهمال ذاتها و شكلها الخارجي بسبب مسؤولياتها المتعددة و خدمة الآخرين...
.كل هذا و بعض الأمهات يعتقدن أنهن يتمنين السعادة و الحياة الحلوة لبناتهن و يذكرن أنه لا يعلم بخفايا قلب الأم الا الله رغم ما نراه في تصرفاتهن ...هذا على غرار تفضيل الذكور على الإناث سواء ماديا أو معنويا...فهي قد تساعد ابنها في المصاريف المادية بينما لا تقدم هذه المساعدة لابنتها بدعوى أنها في ذمة رجل يتكفل بمصاريفها و في المقابل تجبر ابنتها بأهمية مد يد المساعدة المادية لبيت العائلة في حالات مختلفة كزفاف أحد الأخوة و غيره من المناسبات....
و لسنا هنا نعني أن الأمهات شريرات..بالعكس و لكن التربية الهامشية و العنيفة و القسرية التي تلقتها الأم تنعكس سلبا على تصرفاتها و على حياتها مع بناتها....و لكن نرى أن الأمر بدأ يتغير مع هذا الجيل و الذي تعرض للعنف.. فقد تطورت مشاعره و تغيرت بحيث تجدنا عطوفات أكثر على بناتنا... و طبعا للثقافة و الوعي دور في ذلك...فنمنح بناتنا الحقوق اللازمة و الثقة في الذات لأننا اكتسبنا -بعد جهد- ثقتنا في أنفسنا ..بأنني" امرأة" قبل أن أكون " أما".. و أعتز بأنوثتي و أنه لي شخصيتي و جمالي و مكانتي...و بأنني "مدرسة..إن أعددتها ..أعددت شعبا طيب الأعراق" و أنني امرأة "أحب المرأة" فأنا قد اكتسبت ثقتي في ذاتي...