دول من مختلف أنحاء العالم تحث اليمن على حماية النساء والانطلاق نحو إصلاح حقوق الإنسان على الصعيد الوطني، وتوفير المساءلة القانونية
اعتمد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمس الجمعة 31 يناير 2014 تقرير الاستعراض الدوري الشامل عن حالة حقوق الإنسان في الجمهورية اليمنية.
يأتي هذا الاستعراض الدوري الشامل لليمن في وقت تعثرت فيه عملية إصلاح حقوق الإنسان في البلاد، وباتت في حاجة إلى التزام متجدد من قبل الحكومة. إذ كانت 78 دولة قد تقدمت بتوصياتها إلى اليمن أثناء هذه الدورة، بالإضافة إلى الأسئلة التي أرسلتها 15 دولة بهذا الصدد قبل بداية الدورة، حيث وصل إجمالي عدد التوصيات الموجهة إلى اليمن حول حالة حقوق الإنسان في البلاد إلى 191 توصية.
في هذا الإطار يثني كلا من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والشبكة اليمنية لحقوق الإنسان[1]على الحكومة اليمنية لقبولها لـ166 توصية من إجمالي التوصيات المقدمة لها، بينما أحيلت التوصيات المتبقية للفحص قبل البت فيها، ويناشدا الحكومة اليمنية وضع خطة وطنية للتنفيذ؛ من أجل ضمان إنجاز تلك الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان. إذ سبق وقبلت جمهورية اليمن بـ 125 توصية من إجمالي 142 توصية قُدمت إليها خلال عملية الاستعراض الدوري الشامل الأولى لها في سبتمبر/أيلول 2009، إلا أنه ومن الباعث على القلق أن معظم هذه التوصيات لم تنفذ حتى الآن.
من جانبه أقر الوفد الحكومي اليمني رفيع المستوى، برئاسة وزيرة حقوق الإنسان السيدة حورية مشهور أحمد، في كلمته بالتحديات التي تواجه تحقيق الاحترام الواجب لحقوق الإنسان في البلاد، وكذا الانتهاكات التي ترتكبها الجهات الفاعلة غير الحكومية، وفشل الحكومة في تحمل المسئولية الملقاة على عاتقها لحماية مواطنيها من الإيذاء والتعديات، فضلًا عن التطورات السياسية التي تشهدها البلاد.
شملت التوصيات الموجهة للحكومة اليمنية: الحاجة الماسة لإجراء تحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبَت على نطاق واسع في السنوات الأخيرة ، لاسيما في سياق الاحتجاجات؛ والحاجة لإنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تكون مستقلة وغير متحيزة؛ ووقف الهجمات ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ والحاجة إلى إدراج أحكام قوية بشأن حقوق الإنسان والحريات في الدستور الجديد. كما علقت غالبية الدول على تدهور حالة حقوق المرأة والطفل في البلاد، حيث قدمت الدول المشاركة عددًا كبيرًا من التوصيات الداعية إلى بذل جهود أكبر من أجل وضع حد للتمييز بين الجنسين سواء في القانون أو في التطبيق العملي على أرض الواقع. كما حثت الدول الحكومة اليمنية بشكل خاص على وضع حد لزواج القاصرات –هو تقليد منتشر على نطاق واسع– وضمان سن تشريعات وطنية تحدد الحد الأدنى لسن الزواج عند الثامنة عشرة، تماشيًا مع المعايير الدولية. وشملت توصيات أخرى قُدّمَت في هذا الصدد وضع حد لاغتصاب الزوج لزوجته والاعتداء على الأطفال وإساءة معاملتهم وممارسة عملية ختان الإناث. كما طالبت عشرات الدول –من بينها الدنمارك وألمانيا والعراق والمملكة المتحدة وتونس– اليمن بالإسراع بوتيرة الجهود الرامية إلى اعتماد قانون لتأسيس المعهد الوطني لحقوق الإنسان، وضمان تشكيله وفقًا لمبادئ باريس.
وتثني المنظمات الموقعة على الحكومة اليمنية لقبولها تلك التوصيات التي قدمتها الدول، ونحث على تنفيذها بشكل فوري، لاسيما ضمان إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان كهيئة مستقلة، لديها مهمة وولاية لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد والإبلاغ عنها؛ ونحث أيضًا على قيام عملية اختيار أعضاء المؤسسة على أساس الاستحقاق والجدارة وليس الانتماء السياسي، وذلك بالتشاور مع المجتمع المدني.
كانت بعض الدول قد أثارت أيضًا مسألة تكرار الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي اقتُرفَت في اليمن على مدى السنوات الأربع الماضية. وأعربت بولندا و أستراليا عن قلقهما إزاء حالات القتل خارج نطاق القضاء والانتهاكات واسعة النطاق التي ارتُكبَت في سياق الاحتجاجات، في حين أوصت جمهورية التشيك بنشر تعليمات واضحة حول استخدام موظفي إنفاذ القانون باليمن للقوة أثناء الاحتجاجات وفقًا للمعايير الدولية.
ورغم الوعود التي قطعتها الوزيرة حورية مشهور في هذا السياق حول الدفع بسرعة عمل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق المنشأة بموجب مرسوم رئاسي، فإننا نعتقد أن عملية المساءلة قد تباطأت بسبب عدم وجود إرادة سياسية لدى الحكومة، وفشلها في تخصيص الموارد اللازمة لتحقيق هذه المهمة.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والشبكة اليمنية لحقوق الإنسان يدعوان الحكومة اليمنية إلى الإعلان عن جدول زمني واضح لكي تشرع اللجنة الوطنية في عملها، بما في ذلك الإعلان الفوري عن موعد محدد لتعيين مفوضي هذه الهيئة. وإذا استمرت الحكومة اليمنية في البرهنة على عدم رغبتها أو عدم قدرتها على المساءلة على الصعيد الوطني عن وقوع آلاف القتلى بين صفوف المتظاهرين السلميين، فإن المجتمع الدولي عليه واجب ضمان تحقيق العدالة بالنسبة لهؤلاء الضحايا من خلال إجراء تحقيقات دولية على النحو الذي أوصت به في الأصل بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق التي أوفدت إلى اليمن في عام 2011.
في هذا السياق، وبينما رحبت الدول بالجهود التي تبذلها اليمن للتوقيع على نظام روما الأساسي –المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية– حث العديد من الدول، بما فيها لاتفيا وسويسرا وأستراليا وكوريا الجنوبية، اليمن على التصديق على النظام الأساسي وإدراج أحكامه في التشريعات الوطنية.
لقد وثق المجتمع المدني في السنوات الأخيرة انتهاكات متزايدة ضد الصحفيين والمدافعين عن الحقوق وحرية التعبير بشكل عام. كما وثقت الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي الأخير، هجمات على 577 صحفيًا وإعلاميًا، هذا بالإضافة إلى استهداف القنوات الفضائية بالتفجيرات، ومصادرة المعدات، وإغلاق الصحف المستقلة، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة الأخرى. وفي هذا السياق، دعت كندا وفرنسا والولايات المتحدة الحكومة اليمنية إلى وضع حد للتهديدات التي يواجهها الصحفيين واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحمايتهم، في حين أعربتا كولومبيا والنرويج عن قلقهما إزاء وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، وطالبتا بوضع إطار قانوني واضح لحمايتهم.
ونكرر هذه الدعوة للحكومة اليمنية لوقف كافة الاعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام، ونطلب من الحكومة وضع التوصيات التي قدمتها كندا وفلسطين حيز التنفيذ، تمهيدًا لاعتماد قانون الصحافة والمطبوعات على نحو يتسق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان الخاصة بحرية الرأي والتعبير.
وأخيرًا، يرى كلا من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والشبكة اليمنية لحقوق الإنسان أن العديد من الدول استطاعت أن تتقدّم ببعض التوصيات الملموسة والقوية إلى اليمن خلال هذه الدورة، ويقدران قبول الحكومة اليمنية لغالبية هذه التوصيات، ولكنهما يطالبان اليمن بالبدء فورًا في تنفيذها.
ومن جانبنا كمنظمات المجتمع المدني، فسوف نستمر في المراقبة عن كثب للالتزامات التي تعهدت بها اليمن سواء خلال السنوات القليلة الماضية أو أثناء هذه الدورة للاستعراض الدوري الشامل، باذلين كل الجهود الممكنة للضغط من أجل إحراز تقدم حقيقي على مستوى المساءلة واحترام الحقوق والحريات في البلاد.
[1] تأسست الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان في عام 2008وتهدف إلى المساهمة الفاعلة في إقامة مجتمع ديمقراطي يقوم على مبادئ وقيم حقوق الإنسان وسيادة القانون. يتم إنجاز هذه الأهداف من خلال الجهود المشتركة وزيادة الوعي، وتبادل المعلومات، واحترام حقوق الإنسان.وتتكون الشبكة من تسع منظمات يمنية بالإضافة إلي المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان. من بين المنظمات التسع مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، وصحفيات بلا قيود، والمدرسة الديمقراطية، والمرصد اليمني لحقوق الإنسان، وهود، والمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية.