استمرار الزواج القسري في كشمير
من مسافة بعيدة، تبدو جليلة أحمد* ونبيلة أحمد* فتاتين قرويتين عاديتين في أواخر سن المراهقة تقومان بالتسوق في السوق المحلي في إحدى ضواحي مدينة ميربور في إقليم كشمير الخاضع لإدارة باكستان.
ولكن عند النظر بتمعن، تبدو الاختلافات أكثر وضوحاً: تواجه الفتاتان صعوبة في التواصل مع البائعين، وتضحكان أحياناً عند محاولة إيجاد اسم نوع من الخضار أو عشبة ما. وعندما تتحدثان إلى بعضهما البعض، فإنهما تتخاطبان بالإنجليزية بلهجة أقرب إلى لهجة برادفورد منها إلى باهاوالبور. ولكنهما حذرتان لأنه قد طلب منهما عدم التحدث مع بعضهما البعض.
وقالت الفتاتان أنهما قريبتان وقد تعرضتا للزواج القسري قبل عام، بعد حضورهن إلى ميربور من المملكة المتحدة "لحضور حفل زفاف عائلي". إلا أنه بعد وصولهن إلى المدينة اكتشفتا أن حفل الزفاف الذي سيحضرانه كان خاصاً بهما وذلك للزواج برجلين ترتبط بين أسرهم صلة قرابة من بعيد.
ويعتقد أن المئات من حالات الزواج القسري تحدث سنوياً ويقع ضحيتها فتيات بريطانيات يتم تزويجهن رغماً عنهن في كشمير، وخاصة في مدينة ميربور الصناعية وضواحيها. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، شهدت كشمير هجرة أعداد كبيرة للشتات - تقدر بنحو مليون شخص - مع تركز العديد من هذه المجتمعات في مدن بريطانية مثل برادفورد وغلاسكو ولندن. وللحفاظ على ثقافتهم وتقاليدهم، تفضل بعض الأسر إرسال أبنائها - وخاصة البنات - إلى كشمير.
ويقول ناشطون أن مثل هذه الزيجات تشوبها القسوة، مما يؤدي إلى "جرائم القتل والفوضى"، عندما يفشل الزوجان في التعايش أو عندما تقاوم الفتيات مثل هذه الزيجات. وقد وقعت شافيليا أحمد التي كانت تبلغ من العمر 17 عاماً عند مقتلها قبل تسع سنوات في المملكة المتحدة، ضحية إحدى هذه الجرائم التي تصدرت عناوين الصحف عندما تمت محاكمة والديها.
وفي هذا السياق، قالت خالدة سليمي، المدير التنفيذي لمنظمة الكفاح من أجل التغيير (SACH) غير الحكومية ومقرها إسلام أباد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن نسمع عن حوالي 300 حالة من هذه الزيجات سنوياً، ولكن في الواقع قد تكون هناك حالات أكثر من ذلك بكثير". وقالت أن معظم الحالات وليس جميعها تتعلق بالفتيات. وأضافت أنه لا يزال الآلاف من أولئك الذين أجبروا على الزواج في كشمير.
وأوضحت سليمي قائلة قائلة: "إنها عادة تقليدية هنا. فالأسر تريد أن تزوج أبناءها لأبناء الأقارب لأنها تعتقد أنهم سيكونون شركاء جيدين لهم".
وأضافت أن الموضوع يتعلق بالجانب المادي أيضاً، إما للحفاظ على الثروة داخل الأسرة أو لفتح الطريق أمام الرجل الباكستاني الذي يتزوج من مواطنة من المملكة المتحدة للذهاب إلى بريطانيا للحصول على وظيفة بأجر جيد. "وهذا هو السبب الأكثر شيوعاً لهذا النوع من الزواج،" كما قالت.
"كوابيس لا تنقطع"
من جهتها، قالت أوزما بيبي، التي تعيش مع ابنها البالغ في لاهور، والتي تسافر كثيراً إلى المملكة المتحدة: "كنت الضحية قبل 25 عاماً. لقد كانت تجربة مروعة. كان عمري 15 عاماً فقط. قيل لي أننا ذاهبون في عطلة عائلية إلى كشمير، وبدلاً من ذلك تم تزويجي هناك لابن عمي الذي يكبرني بكثير".
وقد توفي زوج أوزما قبل عام، وعن حياتها الزوجية قالت: "على الرغم من أنه لم يكن رجلاً سيئاً، إلا أن سنوات 'الأسر' قد تركت في نفسي أثراً سيظل معي مدى الحياة". وقالت أنها تراجع بانتظام طبيباً نفسياً لمساعدتها على مواجهة ما تقول أنها "كوابيس لا تنقطع" موضحة أنها تعرف أيضاً ما لا يقل عن عشر نساء يواجهن حالات مماثلة.
وقد قامت بعض النساء بعمليات هروب مثيرة، وذلك باستخدام شبكة الانترنت لطلب المساعدة من المفوضية العليا البريطانية أو من خلال وضع ملاعق في ملابسهن الداخلية لتفعيل أجهزة الكشف عن المعادن في المطار وإعطائهن الفرصة للتحدث إلى السلطات المسؤولة.
ويقول موظفو وحدة الزواج القسري في المملكة المتحدة أنهم تعاملوا مع 1,485 حالة من حالات الزواج القسري المحتملة في عام 2012، 47.1 بالمائة منها في باكستان. وقد نقل عن مسؤولي وحدة الزواج القسري قولهم أن معظم هؤلاء كانوا من ميربور.
زواج غير شرعي
وقالت سليمي أن القوانين في باكستان تمنع الزواج القسري، بينما تعتبر هذه الممارسة شكلاً من أشكال العبودية من قبل المنظمات التي تتعامل مع مثل هذه الانتهاكات.
وتعرّف منظمة مكافحة الرق في أستراليا "الزواج القسري" بأنه الزواج "الذي يتم دون الموافقة التامة والحرة من أحد الطرفين أو كليهما، نتيجة لطغوطات أو إساءات بدنية أو نفسية".
ومع نمو الوعي بخصوص هذه القضية، تنامت المحاولات لثني الآباء عن إجبار الأبناء على الزواج، ومن ضمنها زيارة وفد رفيع المستوى بقيادة رجل الدين حافظ نذير أحمد للمملكة المتحدة العام الماضي للتحدث ضد هذه الممارسات.
وقال الشيخ شفيق سليم، وهو رجل دين في ميربور أن "هذا النوع من الزواج مخالف تماماً لمبادئ الإسلام، ولكننا نعلم جميعاً أنه لا زال يحدث، وإنه لمن المحزن أن نرى تلك الفتيات، اللاتي لايزال بعضهن مجرد أطفال، يخدعن من قبل آبائهن وأمهاتهن." وقال أنه نفسه رفض إضفاء الطابع الرسمي على مثل هذه الزيجات، لكنه أفاد أن "رجال دين آخرين يقومون بعقد هذه الزيجات."
وقال عزيز بوت، وهو مصرفي في ميربور، متحدثاً لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ليس من السهل تغيير المواقف. فأخي الذي يعيش في مانشستر، يريد مني العثور على عريس يناسب ابنته البالغة من العمر 16 عاماً هنا في كشمير، على الرغم من أنني قلت له مراراً أنها لم تعد من التقاليد الدارجة هنا تزويج الفتيات في هذا العمر المبكر، وأنه ينبغي لابنته أن تكمل دراستها ويكون لها رأي في الزواج الخاص بها". وقال أن شقيقه أراد "منع ابنة أخي من الانغماس في ثقافة غريبة من خلال تزويجها إلى شخص ما هنا."
ويتوفر بعض الدعم القانوني في باكستان، ولكن الناشطون يقولون أن عدداً محدوداً من الأشخاص يحصلون عليه.
وقالت أسماء علي شان، وهي مسؤولة قانونية في مركز الشهيدة بينظير بوتو لتنمية النساء الذي تديره الحكومة في ميربور: "يتم فقط إبلاغنا عن نسبة مئوية صغيرة من حالات الزواج القسري التي تحدث [هنا]. نحن نقدم الدعم القانوني والمأوى والمشورة عند الضرورة، ولكن ما نحتاجه إليه هو زيادة الوعي لمنع مثل هذه الزيجات في المقام الأول."
* ليس اسماً حقيقياً