المملكة العربية السعودية: إزالة جبل سلع الذي ارتبط بالرسول (ص) والشاهد على غزوة الخندق... جريمة

Source: 
Alrai.com

وجه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة بإيقاف أعمال الحفر والتكسير التي شهدها جبل سلع منذ خمسة أشهر. كما وجه بإحالة ملف الجبل إلى هيئة تطوير المدينة المنورة، وتشكيل لجنة من عدة جهات لدراسة كافة تفاصيل قضية هدمه وإصدار القرار المناسب حيالها، وبعدم السماح لأي أعمال حفر أو تكسير حول الجبل حتى يتم اتخاذ قرار مناسب (المدينة 26/3/2010). وقد تفاءل الكثيرون بهذا التوجيه خيراً، ولكن أهالي المدينة ما زالوا يبثون أخباراً داخلية حول استمرار عملية الهدم والحفر على الرغم من التوجيه والمنع (انظر على سبيل المثال طيبة نت التي رصدت أعمال عودة العمال والحفارات يوم 6/4/2010 بالصورة والفيديو http://www.md55.com/vb/t58412/)

وكان أهل المدينة المنورة قد انتفضوا على إثر عودة معاول الهدم والتكسير إلى هذا المعلم النبوي، وعلى إثر نصب لوحات تشير إلى أن هذا موقع استثمار عمارتين سكنيتين للحجاج في هذه المنطقة (الوطن 11/12/2009).
إن موقع جبل سلع التاريخي والأثر الحضاري الذي يمثله غائب عن الصورة البيروقراطية للأسف. فهذا الجبل الذي يحمي مدينة المصطفى من الشمال الغربي والذي ارتبط بغزوة الخندق/الأحزاب كان شاهداً على حصار قريش للمسلمين وحفر الرسول وصحبه للخندق الشهير الذي حمى معسكر المسلمين من الغرب. وارتبط بغزوة الخندق والفترة التي أمضاها الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مع صحابته يترقبون ويصبرون على تضييق الحصار في الصلاة والدعاء والابتهال إلى الخالق برزقهم النصر وهم محاصرون بين الجبل والخندق والعدو من بعد ذلك. حتى وصل نصر الله والرسول ما زالت كفه تعلو بالدعاء على الكفار في الساحة التي عرفت فيما بعد بمسجد الفتح وأخوتها من المساجد السبعة التي دعا وصلى فيها الرسول أثناء تلك المحنة. إن هذا الموقع التاريخي الذي ارتبط بمصير هذا الدين وبقائه واستمراره يشهد منذ عدة أعوام محاولات ناجحة لقصقصته ونتف روحه بقرارات غير مسؤولة نتج عنها تضييع عدد من المساجد تحولت إلى طرق للسيارات وصراف لأحد البنوك وعلت النبرة من ثلاث سنوات لإكمال عمليات الهدم لتطول بقية المساجد وتحويلها جميعاً إلى مسجد مرمري فخم يحل محلها، فضلاً عن هدم جزء من الجبل «بكُبْره» ليتحول إلى مجمع سكني ضاقت في وجوه المستثمرين والممنوحين الأراضي فلم يبق سوى جبال المدينة التي تسبح بحمد الله والتي تمنح أمانتها المؤتمنة عليها، تصاريح بالبناء هنا وهناك وفق عكاظ (24/3/2010).

وكان قد صدر عن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد حفظه الله عام 1427 (19/12/2006) أمر بإيقاف الهدد ومنع التعرض لجبل سلع والمحافظة عليه كأثر إسلامي استجابة لفورة غضب أهل المدينة عندما بدأت عملية الهدم والحفر آنذاك. كما وجه بتشكيل لجنة لدراسة وضع الجبل حاليا ونزع ملكية العقارات حوله واستكمال الطريق الدائري المحيط به.

لكن من غير المعروف كيف التفّت القرارات الإدارية حول هذا الأمر السامي وأصدرت المحكمة الإدارية بالمدينة المنورة حكماً قضائياً بتطبيق منحة قديمة، فمكنت أصحاب الأراضي الملاصقة لجبل سلع ليبنوا فيها وهي التي تؤدي أعمالها على النيل من الجزء من الجبل الذي أسند إليه المسلمون ظهورهم أثناء غزوة الأحزاب (المدينة 25/3/2010) مقتربين من غار السجدة، الذي سجد فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذه الغزوة وهو ما يعرف بكهف بني حرام. بل واتضح أن عملية الهدم التي كانت تسير بطريقة سريعة تسابق الزمن، تقوم على استخدام متفجرات ومواد كيميائية شديدة التأثير في أعمال هدم جبل سلع كشفت الشرطة عنها وتحقق مع الشركة المقاولة لعدم حملها تصريحاً باستخدامها(عكاظ 27/3/2010). وهذه المواد الكيماوية تساعد على تفتيت صخور الجبل ببطء وبالكامل، وذلك عوضا عن استخدام المواد المتفجرة. وقد قام محمد طالب الأحمدي، الصحافي بعكاظ المتابع والمغطي بدقة لما يجري حول هذا الموضوع، بالحديث إلى المشرف على أول مشروع سكني في الموقع الذي أخبره بأن الشركة لجأت لاستخدام هذه المواد الكيميائية بعد أن عجزت المعدات الثقيلة عن تكسير الصخور وهدمها، مما كان سيزيد من تكلفة المشروع.

وبمتابعة الوضع العقاري للمنطقة وجد أن أسعار الأراضي في المنطقة المجاورة للجبل وصلت ستة أضعاف خلال الثلاثة أعوام الماضية وتبلغ أربعة آلاف ريال للمتر قابلة للزيادة. وأن المسوق العقاري غير مشغول بأمر أنها حمى عسكري أو أثري أو ديني وأشار إلى أن لديه رخصة إنشاء وبناء معتمدة من أمانة المدينة المنورة باسم «مخطط قمة سلطانة» وبدأت عملية الهدم وتفتيت الصخور منذ خمسة أشهر وبعد أن حصلوا على رخصة بناء عمارتين لإسكان الحجاج عام 1428 (عكاظ 24/3/2010).

إن هذه القضية تفتح باب السؤال حول مصير آثارنا الإسلامية النبوية على مصراعيه. ولا تكتفي بأن التوجيه السامي قد وصل وتوقفت الخروقات، فمن الواضح أنها لا تستسلم لأي أوامر، وأن انتهاكاتها ذات درجة عالية في الفوضى والتدمير للتاريخ والبيئة والإنسان، وأن هناك جانباً بيروقراطياً يتعاون معها إما جهلاً وإما مصلحةً في هذه الأجواء المغرية. إنني أهيب بصاحب السمو الملكي أمير مدينة رسول الله أن يستدرك ما تبقى من آثار المصطفى ويرفع عنها يد الجشع والطمع. فالآثار بشكل عام هي ملك للإنسانية فما بالنا بآثار خير خلق الله، هل يحق لأحد أن يتملكها؟

• كاتبة ومؤرخة سعودية< p>

د. هتون أجواد الفاسي* |

عبدالعزيز بن ماجد أمير المدينة المنورة
هتون الفاسي
المدينة المنورة سنة 1857