نساء شمال المتوسط وجنوبه يحاولن إلزام الحكومات تحويل التخطيط إلى إنجاز

Source: 
الحياة
بقلم أمينة خيري

ترتفع نسبة البطالة، فتعلو أصوات تطالب بمنع المرأة من العمل محمّلة إياها المسؤولية عن ضيق فرص عمل الرجال. تتزوج المرأة من رجل أجنبي أو غريب، فتُمنع من منح أبنائها جنسيتها. وتبقى المرأة عرضة للإهانة والضرب وضحية قتل في كثير من الأحيان، لأن أحد ذكور العائلة راوده الشك في سلوكها. يحظى الولد بفرصة تعليم وحيدة توفرت للأسرة، على حساب أخته. تتحمل وزر المشكلات والضغوط والمسؤوليات، ولكنّها لا بد من أن تبقى بعيدة من التفكير في المشاركة السياسية والعامة.
وتعقد المؤتمرات الخاصة بالمرأة، فتدرس وتحلل وتطالب وتوصي بمراجعة وضعها، وينفض المؤتمر من دون نتيجة تذكر.

"دعم دور المرأة في المجتمع" عنوان المؤتمر الذي استضافته مدينة اسطنبول التركية.

عُقد المؤتمر برعاية فنلندا التي ترأس الاتحاد الأوروبي. وهو أول مؤتمر وزاري يتناول المرأة في محيط الأورو-متوسطي. وأتى متابعة لما يُسمى بـ "عملية برشلونة"، التي مثّلت بداية حقبة جديدة في العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي و "شركائها" في جنوب المتوسط، والتي تحوي مكوناً خاصاً بقضايا النوع.

وتضم هذه الشراكة 25 دولة من الاتحاد الأوروبي وثماني دول عربية هي: مصر والجزائر والأردن ولبنان والمغرب والسلطة الفلسطينية وسورية وتونس، بالإضافة إلى كل من تركيا وإسرائيل، وليبيا كمراقبين.

ويشير واقع الشراكة إلى فائدة متبادلة وغير قائمة على علاقة "المانح والممنوح" التقليدية في مثل هذه المواقف، بصرف النظر عن الاختلاف الكبير بين دول شمال المتوسط وجنوبه.

وترى المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية وسياسة الجوار الأوروبي، السيدة بنيتا فيريرو فالدنر، أن التعاون في مجال حقوق المرأة بين شمال المتوسط وجنوبه يسير في الاتجاهين. وتضيف: "إنها المرة الأولى التي لا يقتصر فيها مؤتمر وزاري على إصدار إعلان سياسي. وستقوم لجنة مستقلة بمراقبة سنوية دقيقة، لما تمّ إنجازه في كل بلد في مجالات تفعيل حقوق المرأة مثل: محاربة العنف المنزلي، والاتجار بالمرأة، وغيرها من المشكلات التي تنطبق على دول شمال المتوسط وجنوبه، على حدّ سواء".

وانعكست مشكلة التطرف أو الأصولية الدينية على أجندة المؤتمر. وعبرت غير وزيرة ومسؤولة عربية وأوروبية عن القلق من تنامي الأفكار الأصولية، التي تطاول المرأة بطريقة مباشرة. من جهتها تؤكد فالدنر أن حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ولا يجب التغاضي عنها بأي حال من الأحوال. وتضيف: "لا بدّ من البدء بالتعليم، ثم وظيفة مدفوعة الأجر تنمي إحساس المرأة بذاتها، ووعيها بضرورة الدفاع عن نفسها في وجه أي تعنيف من داخل أو خارج البيت".

ويبدو أن رؤية الاتحاد الأوروبي في ما يختص بالمنح لمنطقة الأورو- متوسط واضحة المعالم. وتتلخص في ثلاثة مجالات رئيسية: التعليم، تحرير المنتجات والخدمات والزراعة، والديموقراطية وحقوق الإنسان. وهو ما أثنت عليه أمان كبارة شعراني، ممثلة وزيرة الشؤون الاجتماعية في لبنان نائلة معوض، مشددة على ضرورة تقديم الدعم المادي من الدول المتمكنة من اجل تحقيق الديموقراطية إذا كانت تؤمن بأن الديموقراطية فعل وليست قولاً.

وأصرّت المجموعة العربية في المؤتمر على الحديث عن أوضاع المرأة في ظل ظروف سياسية بالغة السوء في منطقة الشرق الأوسط ومشاهد العنف والقتل والاحتلال التي تجعل من الحديث عن حقوق المرأة "رفاهية فكرية نظراً الى انعدام الحق في الحياة من الأصل".

وجدّدت المجموعة العربية قلقها من استمرار الانتهاكات التي تقوم بها القوة المحتلة للشعب العربي في فلسطين وسورية ولبنان والعراق. واعتبرت شعراني ان طرح هذه المخاوف في المؤتمر، دليل عملي على مشاركة المرأة في السياسة المتصلة بحقها العام والشخصي. وأضافت: "طالما أن الدول العربية تتخبط في انتهاكات تعوق تقدم المرأة والرجل، لا بد من الإشارة العلنية إليها، وعلى الدول المتقدمة أن تعرف أن الديموقراطية ممارسة وتتطلب توحيد المعايير في التعامل مع الدول".

وصدر بيان المجموعة العربية عن أوضاع المرأة العربية مخيباً للآمال إذ أنه لم يتضمن سوى إشادات وإشارات خاصة بالاهتمام التشريعي والتنفيذي بقضايا المرأة، وحرص المشرع العربي على تضمين نص واضح يرفض التمييز القائم على أساس الجنس، وتعهد الدول العربية التزام اتفاقية منع أشكال التمييز ضد المرأة. ما أعطى شعوراً عاماً بتبسيط القضية وتسطيحها في شكل غير لائق، لا سيما في ظل وجود إخفاقات عدة في مجال حقوق المرأة في الدول العربية كافة.

وفي حين أشارت المفوضية الأوروبية إلى انجاز بعض الإيجابيات على صعيد المساواة، اعتبرت أن الفجوات الرئيسية على جانبي المتوسط تتلخص في نسبة النساء إلى الرجال من ناحية العمل المدفوع الأجر، ومشاركة النساء في البرلمانات الوطنية.

وعمّا إذا كانت هناك خطوات عملية تطاول الدول الشريكة في حال التقويم السلبي من اللجنة الموكلة مراقبة تطور الممارسات تقول فالدنر: "الدول التي تقصر في الأداء عادة تشعر بأنها معرضة للانتقادات وهو إحساس لا يحب أحد أن يشعر به".

من جهته، يعترف مراد علال، مدير شبكة المنظمات غير الحكومية الأورو- متوسطية، بالفروق الجوهرية بين شمال المتوسط (حيث قدر أكبر من الديموقراطية والمساواة) وجنوبه. ويشير إلى مشكلات المرأة العربية والمسلمة في المجتمعات الأوروبية والغربية، وهو ما يعتبره علال دليلاً على أن العلاقة بين شمال المتوسط وجنوبه تكاملية.

ويدعو علال، باسم المجتمع المدني، إلى إعادة قراءة الخطاب الديني، ليس الإسلامي فقط بل المسيحي واليهودي كذلك، السائد في دول المنطقة والذي يؤثر بطريقة مباشرة في التعامل مع قضايا حقوق المرأة. ويقول: "على الحكومات العربية التي تتخوّف من حجم المنتمين للتيارات الدينية وتأثيرهم، أن تتبنى سياسة واضحة في هذا الشأن". ويطالب علال بخطوات فعلية في المنطقة العربية نحو جعل المجتمع المدني شريكاً رئيسياً "لأنه الأقدر على التعامل مع المجتمع".

وشدّد المؤتمر على تحقيق الهدف الرئيسي لـ "إعلان برشلونة" عام 1995، وإن بدا مفرطاً في المثالية وهو تحقيق السلام والاستقرار والرخاء المشترك في منطقة المتوسط. وكشف عن خطوات وإجراءات من المقرر تنفيذها في الدول الـ 35 المشاركة على جانبي المتوسط، على المستويين الوزاري والبرلماني، بالإضافة إلى فتح حوارات مع منظمات المجتمع المدني وجمعيات المرأة والشباب والنقابات العمالية ورجال الأعمال وسيداتها.

وتضمنت نتائج المؤتمر توصية خاصة بالنساء في مناطق الصراع، وزيادة الحماية المقدمة لهن والتوعية بحقوقهن، والتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن الصراعات المسلحة و "منع تجنيدهن في العمليات الإرهابية".

وأشارت التوصيات إلى مزيد من الفهم والمعرفة البحثية حول النساء المهاجرات لجهة الأسباب التي دفعتهن الى الهجرة، وحقوقهن الإنسانية، وأثر ذلك في النساء في الدول التي هاجرن إليها.

وشدد المشاركون على التأكد من استفادة نساء المنطقة من علوم التكنولوجية والكومبيوتر، ومحاربة النماذج النمطية التي يقدّمها الإعلام عن المرأة والرجل على حد سواء.

وجاء المؤتمر دعوة إلى الانتقال إلى مرحلة تنفيذ التشريعات والنصوص التي طالما تناولت حقوق المرأة.

لمحات سريعة

- المرأة في شمال المتوسط تعاني من تمييز واضح في الرواتب بينها وبين الرجل بنسبة تتراوح بين 20 إلى 25 في المئة، في القطاع الخاص.

- مشكلة العنف المنزلي تفرض نفسها بقوة في العديد من الدول الأوروبية وما زالت «تابو» في كثير من الأحيان.

- أنشأت المفوضية الأوروبية برنامجاً إقليمياً للنساء في الحياة الاقتصادية مقره القاهرة وترأسه السيدة مارغريت آبل ويهدف إلى دعم المرأة لتشارك في الحياة الاقتصادية وذلك في كل من الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب والأراضي الفلسطينية وسورية وتونس وتركيا وإسرائيل.