النساء وصناعة الدستور في جنوب أفريقيا

Source: 
منظمة نساء من اجل نساء العالم
قدمت هذه الورقة السيدة رشيدة مانجو من "هيئة المساواة بين الرجل والمرأة" في جنوب أفريقيا في مؤتمر حول بناء الدستور العراقي نظمتة منظمة " نساء من اجل نساء العالم" في شهر حزيران 2005.

لقد حضر المؤتمر عدد من أعضاء الجمعية الوطنية العراقية ولجنة صياغة الدستور وعدد من الوزراء وبعض الناشطات من المجموعات النسوية والنسائية في العراق وعدد من الناشطات من عدة دول مختلفة.
-------------------------

بناء الإجماع ...... إشراك الناس: النساء وصناعة الدستور في جنوب أفريقيا

بقلم رشيدة مانجو

مؤتمر دستورنا...مستقبلنا

البحر الميت، الأردن،27-28 حزيران 2005

تحاول هذه الورقة التقاط العمليات والمصاعب التي تواجهها الدول النامية قبل وبعد الديمقراطية في محاولاتها لتحقيق المساواة الجندرية وحماية الحقوق الإنسانية للنساء.

إن الإرث الماضي خصوصاُ فيما يتعلق بالنساء السود، يتضمن القمع والتمييز بناءاً على الجنس وأيضاً على عوامل مثل العرق، الطبقة والموقع الجغرافي. إن نضال النساء الجنوب إفريقيات ضد القمع العرقي يرجع لعام 1913 ويتضمن معارضة مسائل متعلقة بالحرمان من الأرض من قبل القوى الكولونيالية . إن النشاط السياسي النسائي ومعارضته للتمييز العرقي يتمثل في أكثر أشكاله تنظيماً منذ الخمسينات بتشكيل الحركة النسائية اللاعنصرية اللامنحازة المسماة اتحاد النساء الجنوب إفريقيات (FSAW ) في العام 1954 . وتضمن الاتحاد نساء نشطات من مستوى شعبي وأيضا نساء ناشطات في منظمات سياسية أكثر رسمي. وقد ناقش الحفل الافتتاحي ميثاق المرأة وتبناه وهو الذي أصبح الإعلان الأساسي للاتحاد.

مع عدم وجود لائحة حقوق تضمن لجميع سكان أفريقيا الجنوبية حماية حقوق الإنسان والحريات فقد جاءت أهداف الميثاق لإنهاء التمييز بين الجنسين وتحرير وإنهاء جميع أنواع الاضطهاد والقمع. وتضمنت مطالب الميثاق حقوقاً متساوية مع الرجال فيما يتعلق بالأملاك، الزواج والأطفال وإزالة جميع القوانين والعادات التي تحرم النساء من مثل هذه الحقوق المتساوية وشروطاً لتوفير التعليم والأمور الأساسية الأخرى مثل توفير الماء والكهرباء. وقد عكس الميثاق مطالب متعلقة بمسألتين: المساواة القانونية الرسمية وأيضاً الحقوق الاجتماعية الاقتصادية التي أثرت بشدة على دور المرأة كراعية أساسية للأطفال.

لقد أصبح النضال من اجل المساواة الجندرية وحقوق الإنسان للنساء في جنوب افريقيا واضحاً أكثر خلال فترة المفاوضات السياسية الجادة لإنهاء الفصل العنصري حوالي العام 1989 . لقد وجه نقد يتعلق بالفترة من 1954 لغاية 1989 من زاوية ان الصراع ضد القمع العرقي والصراع من اجل التحرر الوطني قد أخذ أولوية وأسبقية على الصراع ضد عدم المساواة بين الجنسين. ان الخطوط الإرشادية الدستورية للمؤتمر الوطني الأفريقي لعام 1988 عكست أيضاً التزاماً بالمساواة الرسمية بين الجنسين ولكنها لم تعكس التزاماً بمساواة جوهرية. نتج عن ذلك ان النساء ضمن المؤتمر الوطني الأفريقي عقدوا مؤتمراً في العام 1989 خارج البلاد (في زامبيا) للرد على هذه الخطوط الإرشادية والقصور في البعد الجندري فيها. بعد ذلك عقدت العديد من المؤتمرات والمنتديات داخل وخارج البلاد لنقاش الأمور المتعلقة بالمساواة بين الجنسين.

احد أهم هذه المؤتمرات كان مؤتمر ماليمبوغي والذي عقد في أمستردام عام 1990 حيث جمع نساءاً كانوا في المنفى ونساء كانوا قد بقوا في البلاد أثناء فترة الفصل العنصري وقد وجه نداء واضح من ذلك المؤتمر من اجل النضال للمساواة بين الجنسين وتحرير النساء و النظر الى هذه المسائل كجوانب متفردة في النظام لأجل التحرر الوطني . وقد دعا المؤتمر الى بناء حركة نسوية وطنية داخل البلاد .

لقد رُفع الحظر عن المؤتمر الوطني الأفريقي في بدايات العام 1990 و في تلك السنة أصدرت اللجنة التنفيذية الوطنية للمؤتمر بيانا حول تحرير النساء في جنوب افريقيا. لقد شجعت هذه الوثيقة النساء بشكل عام وعصبة النساء التابعة للمؤتمر بشكل خاص للبدء بعمليه حوار وطني وصياغة مسودة ميثاق المرأة تعكس حاجات واهتمامات المرأة. كان الهدف النهائي ضمان ان تكون المساواة بين الجنسين جزءا من عملية التفاوض على الدستور، وأيضا ان تعكس القوانين والسياسات في جنوب أفريقيا احتياجات واهتمامات النساء وقد نظمت عصبة النساء اجتماعا عام 1991 مع المجموعات النسوية و الأفراد من جميع أنحاء البلاد و من جميع الأعراق و الطبقات و الأديان و اللغات و التوجهات السياسية للبدء بعملية استشارية. و قد وصلت العملية الى أعلى مستوى لها بإطلاق التحالف النساء الوطني في العام 1992 وكان دوره الأساسي هو تنسيق الحملة الوطنية لتنمية وتعليم النساء. و هذا سوف يأخذ شكل تجميع وتوزيع المعلومات حول احتياجات و تطلعات النساء و أيضا توحيد النساء لصياغة و تبني إعلان يؤكد على المساواة للنساء في الدستور الجديد .

تم القيام بحملة ميثاق المرأة في مناطق ريفية ومدنية على حد سواء . وقد كانت هذه عملية صعبة نظراً لقلة التمويل واعتمادها على التطوع وتمويل المنظمات غير الحكومية. لقد عكس ميثاق المرأة أصوات العديد من النساء في جنوب افريقيا وكتب بلغة غير معقدة . لم تكن المهمة سهلة في الحفاظ على التحالف النسائي الوطني وأيضاً صياغة ميثاق يناسب العملية الدستورية نظراً للخلفيات المختلفة للنساء. ان علمية صياغة الميثاق شكل البداية لعلمية بناء حركة نسوية في مجتمع مقسم بعمق . في العام 1994 صدر ميثاق المرأة للمساواة الفعالة وعكس مقاربة مبنية على الحقوق لمسألة المساواة بين الجنسين. كانت هناك وجهات نظر تقول بأن ميثاق المرأة يجب أن يكون جزءاً من الوثائق التي ستناقش خلال المرحلة الاستشارية للدستور المؤقت، ولكن هذا كان مستحيلاً لأن ميثاق المرأة لم يكن جاهزاً في تلك المرحلة وتم رفض فكرة ضم الميثاق إلى الدستور لصالح فكرة تثبيت مبادىء عدم التمييز بين الجنسين وأيضا توفير الحق للمساواة الفعالة في الدستور. لقد كان ميثاق المرأة أساسا لإثارة النقاش حول البنود الدستورية وأيضا حول الهيكل الذي نحتاج إليه لترويج وحماية المساواة بين الجنسين في جنوب افريقيا . وتم تعميم ميثاق المرأة شعبياً من خلال عدة وسائط إعلامية (بما في ذلك المجلات الفكاهية والراديو) للتأكد من ان محتواه هو ما تريده نساء جنوب افريقيا في الدستور .

وبينما كانت عملية صياغة ميثاق المرأة تحدث كانت هناك عملية موازية تتمثل في محاولة التدخل في المفاوضات الانتقالية بين أعوام 1990 و 1993 . لقد ضغطت النساء خارج مراكز المؤتمرات التي تم فيها المفاوضات الدستورية حيث كان أغلبية من الرجال في المناقشات. إن حضور المرأة قد حرك حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (رغم انه لم يكن حزباً سياسيا ذلك الوقت) بان يضغط على باقي الأحزاب السياسية المشاركة في النقاشات لأن يكون لديها امرأة واحدة في فريقها على الأقل . وقد تمخض هذا عن تمثيل النساء في مجلس المفاوضات الذي كان أعلى هيئة صاحبة قرار. اضافة الى ذلك فإن النساء اللواتي كن جزءاّ من العملية التفاوضية قصدوا المساعدة من التحالف النسائي الوطني واستعملوا مخرجات حملة ميثاق المرأة كمصدر للمعلومات. كما تم إنشاء لجنة استشارية حول الجندر ذات سلطات محدودة كنتيجة للاحتجاجات والشكاوى العديدة حول نقص شمول النساء في العملية التفاوضية كما أنشأ تحالف النساء الوطني فريق لمراقبة المفاوضات لمراقبة العملية وتوزيع المعلومات على أعضاء التحالف.

يحمل دستور جنوب افريقيا علامات دالة على هذا الصراع الطويل من اجل العدالة والمساواة من قبل نساء جنوب افريقيا من خلال تشخيص انعدام العدالة في الماضي بوضوح وأيضا من خلال تقدير أولئك الذين عانوا او ضحوا للحرية والعدالة. يشير الدستور (فقرات المساواة قسم 9) والإجراءات التشريعية (على سبيل المثال قانون المساواة في التوظيف و قانون ترويج المساواة ومنع التمييز غير العادل) الى ترويج المساواة بين الجنسين ومنع التمييز على أساس الجنس. حقيقة أخرى ايجابية في الدستور هي الفقرة المتعلقة بالحق بالحرية والأمن حيث ان الشخص له الحق في ان يكون حراً من جميع اشكال العنف سوءاً كان عاماً او خاصاً. هذا يشير بفعالية الى الالتزام بالتعاطي مع المشكلة المزمنة حول العنف المبني على الجندر.

------------------------

مقدمة الدستور الجنوب إفريقي:

نحن شعب جنوب إفريقيا

ندرك ظلم ماضينا

نقدر أولئك الذين ضحوا من اجل العدالة والحرية في أرضنا .

نحترم اؤلئك الذين عملوا من اجل بناء وتطوير بلدنا، ونعتقد ان جنوب افريقيا هي ملك لكل من يعيش فيها، موحدين في تنوعنا.

وبناءاً عليه، نحن، ومن خلال ممثلينا المنتخبين بحرية، نتبنى هذا الدستور كقانون أعلى للجمهورية حتى نشفي انقسامات الماضي، ونؤسس مجتمعاً مبيناً على القيم الديمقراطية، العدل الاجتماعي، وحقوق الإنسان الأساسية، ونضع الأساسات لمجتمع ديمقراطي ومفتوح حيث يؤسس الحكم على أرادة الناس وعلى ان كل مواطن محمي بصورة متساوية من قبل القانون، ونحسن نوعية حياة كل المواطنين ونحرر إمكانيات كل شخص، ونبني جنوب افريقيا موحدة وديمقراطية قادرة على أخذ مكانها الصحيح كدولة ذات سيادة في عائلة الأمم.

فليحم الله شعبنا.

وليبارك الله جنوب افريقيا.