يوم برتقالي لمناهضة العنف ضد المرأة

المصدر: 
http://bit.ly/1gjNMw7

تخيلي أن بلدك الحبيب الذي عشقت نيله وارتويت من مائه هو أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة‏..‏ هذا ليس كلامنا بل هو نتيجة الدراسة التي نشرتها رويترز إحدي أكبر وكالات الأنباء وأكثرها دقة في العالم‏..‏ لم نصدقها وتم تكذيبها‏,‏ قالت الدراسة إن مصر فيها حاجة اسمها العنف‏...‏ تصوروا‏!!‏ الدراسة اعتبرت إن اللي بيحصل للفتاة والمرأة المصرية دا ممكن نسميه عنف مع أنها أمور عادية بتحصل في العالم كله‏!!..‏ فما الداعي لمناقشة وترديد هذا الكلام؟

هذا الكلام بمناسبة اليوم العالمي للقضاء علي العنف ضد المرأة الذي يوافق25 نوفمبر ويستمر إقامة فعالياته لمدة16 يوما تنتهي يوم10 ديسمبر وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. فهل ما يحدث في مصر يعد عنفا؟ وهل المرأة في مصر تعامل كإنسان؟ قسوة السؤال والخوف من صدمة الإجابة تدفعنا إلي سرد بعض الحقائق التي ستأتي حتما بهذه الإجابة.

تقريرالأمم المتحدة الصادر هذا العام رصد أشكالا مختلفة من العنف ضد المرأة حول العالم مثيرة للشجون والألم ليكشف عن حجم الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها النساء, ويوضح التقرير أن العنف ضد المرأة هو عنف قائم علي نوع الجنس وموجه للمرأة لكونها امرأة, ويشمل الأعمال التي تلحق بها ضررا جسديا أو عقليا أو جنسيا أو التهديد بهذه الأعمال والإكراه وسائر أشكال الحرمان من الحرية ويري أن العنف لا يقتصر علي ثقافة معينة أو إقليم معين, فالعنف ضد المرأة موجود في كل مكان تقريبا, ويترتب عليه آثار جسدية ونفسية واجتماعية.. آثار العنف لاتقف عند هذا الحد بل تزيد لديها الشعور بالخوف وعدم الشعور بالأمان والشعور بالذنب والخجل والانطواء والعزلة وفقدان الثقة بالنفس وعدم احترام الذات.

File 2145

وقد ارتفعت حالات التحرش والعنف الجنسي ضد النساء في مصر خلال العامين الماضيين إلي الضعف, حيث تحولت مضايقة النساء في الشارع من مجرد ألفاظ قد تتقبلها أحيانا إلي تحرش مباشر, كما ارتفعت إحصاءات الاغتصاب التي كانت نادرة الحدوث إلي أقصي حد يمكن أن تصل إليه.. إلي حد أن دموعنا لم تجف بعد علي الشهيدة زينة عرفة ابنة الخمس سنوات التي قام جارها بمساعدة حارس عقار المنزل الذي تسكن فيه باستدراجها إلي سطحه, وحاولوا اغتصابها وحينما أيقنت الطفلة الخطر بدأت بالصراخ فألقوها من أعلي وتم تنظيم وقفة احتجاجية بالملابس السوداء والشموع أمام سلم نقابة الصحفيين الاثنين الماضي للمطالبة بالقصاص من القتلة, خاصة أن محكمة جنايات بورسعيد قررت تحديد اليوم السابق الأحد, موعدا لأولي جلسات محاكمة المتهمين في قضية الطفلة.

وبالطبع هذه لسيت الحادثة الأولي ولن تكون الأخيرة طالما وضع المجتمع المرأة داخل قفص مغلق من التعصب والاضطهاد الذي جسدته مجموعة من الحوادث الأخيرة, فهناك حادثة إسراء البالغة من العمر13 عاما, الطالبة بالصف الثاني الإعدادي.. لم ترتكب جرما سوي دخولها محطة المترو بعد يوم دراسي طويل قبل أن يفاجئها أحد المارة بشد ملابسها, وعلي الرغم من صغر سنها, إلا أنها جذبته متسائلة بعنف ليه عملت كده, وكان الرد هو صفعة قوية علي خدها أوقعتها أرضا مع سلسلة من السباب وسط صمت جميع الموجودين!!!قصة إسراء وغيرها من القصص اليومية تحرص علي رصدها صفحة ثورة البنات التي تم تخصصها كمساحة حرة للفتيات لكتابة شهادتهن عن جرائم التحرش اليومية.

فالعنف عندنا لم يعد هو العنف المتعارف عليه بل تطور وتحول إلي أشكال أخري, ويبدو أنه لم ولن يتوقف بل يجدد نفسه مع التطور الذي نعيشه يوما بعد آخر, فلم يعد مصطلح التحرش يصلح لوصف ما تتعرض له المرأة المصرية من أشكال العنف والقهر في الشارع والمواصلات العامة وأصبح مطلوبا مصطلح أدق لأن التحرش أخذ أشكالا تخطت كل المقاييس وأفظع التوقعات التي يمكن أن يصل إليها خيال البشر.. العنف أيضا أخذ شكلا من أشكاله ضد الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة.

ورغم ذلك يواصل المجتمع المدني نضاله ويحرص علي إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة, فقد دشنت خمس مجموعات نسوية وحقوقية الأيام الماضية حملة صلحها في دماغك لمواجهة الأنماط السلبية والمفاهيم المغلوطة المرتبطة بالعنف الجنسي ضد النساء في مصر. وتتضمن الحملة أنشطة مختلفة.. حملات علي مواقع التواصل الاجتماعي ولافتات وملصقات, وإصدار رسوم توضيحية, وكاريكاتير لتوضيح أفكار الحملة, بالإضافة إلي ندوات وجلسات حكي, وجلسات أخري خاصة بالدفاع عن النفس, وحملات توعية مجتمعية في10 محافظات, ويشارك في تنفيذها كل من مؤسسة نظرة للدراسات النسوية, خريطة التحرش, المبادرة المصرية للحقوق الشخصية, مجموعة قوة ضد التحرش, مجموعة تحرير بودي جارد.

هذا بالإضافة إلي العنف المنزلي الذي يشكل اخطر أنواع العنف علي المرأة, فقد باتت الحياة الزوجية هي مكان لاستعراض القوة ومن سيغلب, ومن الذي يسيطر في البيت, والأقوي له حق أن يفعل ما يشاء في الضحية من معاملة سيئة وضرب وإهانة وعقاب وتعذيب بشتي الطرق أو طرد ووضع قفل علي الباب وتغيير الكالون, ورمي أبنائه في الشارع تحت مسمي أنه الأقوي وصاحب البيت ومن لا يعجبه لا يعيش معه. وإذا كانت مصر لم تحتل مرتبة متقدمة في مجالات كثيرة إلا أنها احتلتها في الاتجار بالبشر, وهذه المرتبة المتقدمة تمثلت في عدة أمور منها إجبار الصغيرة علي الزواج المبكر وهي لا تزال طفلة بحجة أن أباها يعرف مصلحتها أكثر.. فالمرأة المصرية هي الأكثر تعرضا للاتجار, وإن أكثر بلدين تستغل فيهما هما الأردن والمغرب برغم اختلاف شكل العلاقات في كل من البلدين.

وأظهرت الإحصاءات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة أن80% من سيدات العالم معرضات للعنف البدني أو الجنسي ولكن الدراسة التي نشرتها رويترز قالت إنها استعانت فيها بخبراء متخصصين في مجال قضايا المرأة ورأي آخرون أن عددهم لايكفي لإصدار مثل هذا الحكم.. ولكن بصرف النظر عن اختلاف الرؤي حولهم إلا أن نتائج الدراسة أكدت أن القوانين التي تميز بين الجنسين وزيادة معدلات الاتجار بالنساء أسهمت أيضا في نزول مصر إلي قاع قائمة تضم22 دولة عربية. وأشار أيضا تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أبريل الماضي إلي أن99.3% من السيدات والفتيات يتعرضن للتحرش في مصر.. وأيضا تم التشكيك في هذه النتائج وفي الغرض من نشر نتائجها.. وبغض النظر أيضا عن مثل هذا التشكيك- يقول بعض المحللين إن هذا يعكس ارتفاعا عاما في مستوي العنف في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة.

وذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش أن91 امرأة تعرضن إما للاغتصاب أو للاعتداء الجنسي في العلن في ميدان التحرير في يونيو حين اشتدت الاحتجاجات المناهضة لحكم مرسي.

ومن أجل هذا كله دعت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فومزيلي ملامبو نجوكا المجتمع الدولي إلي أن يكون جزءا من الحلول المبتكرة إزاء ما وصفته بوباء العنف ضد النساء والفتيات, الذي يصيب اليوم واحدة من بين3 نساء في جميع أنحاء العالم.

وفي رسالة لها بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.. الذي يحمل هذا العام شعار رسمي هو عالم برتقالي في16 يوما حثت نجوكا زعماء العالم علي استحداث رد فعل يتناسب مع حجم العنف الذي يهدد حياة النساء والفتيات, مؤكدة أن عدم المساواة بين الجنسين هو السبب الجذري للعنف ضد النساء والفتيات, الأمر الذي يتطلب معالجة شاملة وعاجلة ومتعددة الجوانب, تبدأ من المدارس التي تعلم الاحترام للجميع وصولا إلي حصول النساء علي الفرص الاقتصادية والعدالة, ووجودهن في قوات لحفظ السلام وكسياسيات, بالإضافة إلي حتمية وضرورة إسماع صوت النساء في جميع أنحاء المجتمع. واعتبرت أن العنف ضد النساء والفتيات هو انتهاك لحقوق الإنسان وهو عنف موجه ضد الأسر والمجتمعات والأمم والإنسانية أجمع, وهو تهديد للسلام والأمن الدوليين, وقد وصل حجم العنف إلي حد الأزمة, الأمر الذي يتطلب العمل منا جميعا, صغارا وكبارا, نساء ورجالا للقضاء عليه.

ودعت القادة إلي تحمل مسئولية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لجميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات وحماية50% من السكان- تقصد النساء, مؤكدة أن لكل امرأة وفتاة الحق الإنساني الأساسي في أن تعيش حياة خالية من العنف.ولفتت مديرة هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلي أن اليوم تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء للعنف خلال حياتها, وواحدة من بين3 فتيات تتزوج وهي طفلة قبل بلوغها سن18 عاما, وقد عانت حوالي125 مليون فتاة وامرأة في العالم من تشويه الأعضاء التناسلية أو ما يعرف بالختان, كما يمس الاتجار الملايين من النساء والفتيات في عبودية العالم الحديث, أما الاغتصاب فهو تكتيك مستشر في أثناء الحرب, ويتزايد قتل النساء بشكل وحشي لمجرد أنهن نساء.وأضافت أن هذا العنف لا يعرف حدودا, وهو يؤثر علي النساء والفتيات من جميع الأعمار, ومختلف مستويات الدخل, والعرقيات, والأديان والثقافات, ومناطق الصراع, ومن المساحات الحضرية إلي حرم الجامعات, مضيفة أن الغالبية العظمي من الحالات لا يبلغ عنها وغير معترف بها وتترك الناجيات ينزفن وهن مختبئات ويعانين في صمت, وهذا الوضع- كما قالت- لا يمكن السكوت عليه.وحثت نغوكا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة علي جعل القضاء علي العنف ضد النساء والفتيات أولوية ضمن الإطار الجديد للتنمية الذي سيتبع انتهاء المدة الزمنية للأهداف الإنمائية للألفية في عام2015, مؤكدة أنه تحت قيادة مصممة علي الوقاية والحماية والملاحقة القضائية وبتوفير الخدمات للناجيات يمكن أن ينتهي هذا الوباء العالمي, مشيرة إلي أنه معا يمكننا وضع حد للعنف ضد النساء والفتيات.