سورية: "صوتها ثورة"..ناشطات سوريات في قلب المعركة

Source: 
DW

لا تقتصر الأدوار التي تلعبها المرأة السورية في الثورة فقط على المشاركة الفاعلة في المظاهرات والتمريض والإغاثة والإعلام وكذلك توثيق الانتهاكات التي كانت هي أيضا ضحيتها، بل إنها متواجدة أيضا في قلب المعركة مع المقاتلين. تعددت الأدوار التي لعبتها المرأة السورية منذ انطلاق الثورة في بلاده، فبرز دورها في المجالات السلمية كالإعلام وتنسيق المظاهرات وتوثيق الانتهاكات والتمريض والإغاثة. لكنها لم تكتف بذلك فحسب، بل التحقت أيضاً بالجيش الحر متحدية العقلية العربية المحافظة السائدة. DW عربية تحدثت إلى عدد من الناشطات البارزات داخل سوريا عبر وسائل اتصال مختلفة منها (سكايب، البريد الالكتروني والتلفون) لم تعلم طالبة الحقوق مها الخطيب (23 سنة) أنها ستبيت تلك الليلة في المعتقل إبان مشاركتها في إحدى المظاهرات السلمية المناهضة للقوات النظامية. ورغم قسوة تلك التجربة، تجد مها في تلك الليلة نقطة انطلاق لحريتها. وتقول في حوار مع DWعربية:" لم أعد أخشى نظرة المجتمع لي كامرأة، فما رأيته في المعتقل من انتهاكات أطلق العنان لصرخاتي وأفكاري. فأصبحت أشارك في المظاهرات يومياً صارخة بأعلى صوتي "صوت المرأة ثورة وصمت الرجل عورة!". اختطف النظام أمي بعيد هروبي من المعتقل في محاولة لإعادتي فأبقوها رهينة لديهم قرابة الأسبوعين، ومع ذلك ما زلت أخرج للمظاهرات وأشارك فيها. لم أعد أهاب شيئاً".

دعم الثوار والتغطية الإعلامية للثورة

وتشير الطبيبة الناشطة ديمة العطار (30 سنة) إلى الاختلافات الاجتماعية بين الأرياف والمدن في سياق مشاركة النساء في المظاهرات والاعتصامات، إذ ترتفع نسبتهن في المدن بشكل ملحوظ. لكنها توضح في الآن ذاته نشاط المرأة السورية الريفية في الثورة على أصعدة أخرى إلى جانب التظاهر، كالإغاثة الطبية ومداواة النازحين، إضافة إلى خياطة الأعلام والملابس والطبخ. ولم تنس العطار الإشارة إلى الدور النسوي في المجال الإعلامي والحقوقي، إذ صرحت لـ DWعربية:" كثيراً ما تقود الفتيات الفرق الصحفية وترافقها إلى أماكن النزوح والمواقع المهمة إعلاميا". كما ذكرت الدور التوثيقي الذي تساهم فيه النساء بشكل بارز جداً عن طريق مدوناتهن وملفات المعتقلين والمنتهكات، إضافة إلى تصويرهن العديد من المظاهرات وتحميلها على صفحات الإنترنت. وعلى سبيل المثال، تقوم الناشطة والمدونة الصيدلانية مارسيل شحوارو (28 سنة) من خلال مدونتها "لمحات" بإلقاء الضوء على المآسي الواقعة في مدينتها حلب. وتعتبر شحوارو من أهم ناشطات المعارضة والتي فقدت والدتها ماريا حين فاجأها حاجر أمني متنكر بزي مدني قرب القصر العدلي في حلب والذي تبين لاحقاً أنه تبع لحزب البعث. كذلك الناشطة شيري الحايك ومدونتها "طباشير"، إضافة إلى عدد كبير جداً من صفحات الفيسبوك الداعية لحرية المعتقلات، كصفحة "الحرية للناشطة طل الملوحي" والتي اعتقلت ووضعت في السجن قبل انطلاق الثورة السورية.

"أنا سورية وكفى!"

أما على الصعيد الفني، فقد أعلنت الفنانة المعروفة عربياً، لويز عبد الكريم، عن مساندتها للثورة وخروجها في مظاهرات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد. وتصف عبد الكريم مشاعرها أثناء المظاهرة، فتقول:" حين خرجت لأول مرة في إحدى المظاهرات، لم أتمكن من درء دموع عيني وآمنت بانتصار الثورة. ورغم كوني علمانية، إلا أن وقع صدى "الله أكبر" تتردد في كل جميع الاتجاهات لتصل للسماء أكد لي استمرار هذه الثورة حتى النصر". وتوافق طالبة الفنون علياء سليمان (21 سنة) رفيقاتها في الثورة فيما يتعلق بطائفية الثورة بين النساء، فتقول العطار:" تتدنى نسبة الطائفية لدى النساء بنسبة امرأة واحدة مقابل 10 رجال طائفيين، والسبب في ذلك يعود لربما إلى عدم مشاركة النساء بحمل السلاح الذي يُقسي القلب". أما سليمان فصرحت عن غضبها من مثل هذه الإدعاءات الجارحة على حد قولها، قائلة:"أنا قبل كل شيء سورية! أنا سورية وكفى!"

ضحايا الاغتصاب، يغتصبن مرتين

" شاركت طالبة الطب آيات الحلبي في عدد من المظاهرات النسوية والمختلطة كغيرها من نساء حلب. لكن ما ميزها كان نشاطها الإعلامي، إذ تدير الحلبي صفحة من أكثر الصفحات أهمية وتداولاً على الإنترنت في شأن الثورة السورية. إلى ذلك، أججت الثورة في نفس الحلبي وأختها الإبداع الفني، فأصبحت ترش الحيطان بتعابير رمزية تدعم الثورة مثل "يسقط بشار" و "دم الشهيد علينا دين" و "يا نحنا يا بشار". أما بالنسبة لخبرتها الطبية المكتسبة خلال دراستها، فتستخدمها أثناء رعاية الجرحى والنازحين. لكن ما يؤرق الحلبي هي حالات الاغتصاب التي كثيراً ما يسكت عنها في محاولة من العائلة للحفاظ على "شرف العائلة وسمعتها". إذ تصرح في حوار لها مع DWعربية:" يتفادى الأهل في أغلب الأحوال الاعتراف بوقوع جريمة الاعتداء الجنسي على الفتاة نظراً لطبيعة المجتمع المحافظ. ولذا فإن ضحايا الاغتصاب هن ضحايا اعتداء جسدي من قبل الشبيحة وآخر نفسي من قبل عادات المجتمع". وتستطرد الحلبي في حديثها، فتقول:" الخوف من اغتصاب الإناث هو أحد أهم أسباب عدم تشجيع العديد من العائلات بناتهن على المشاركة في المظاهرات خلافاً لأولادهن". ولذا تنتشر بين الفتيات ظاهرة تغطية وجوههن بارتداء النقاب أثناء التظاهر رغم عدم انتمائهم الديني المتشدد، وإنما لإخفاء معالم وجوههن التي قد تمكن رجال النظام السوري من تمييزهن. وفي ذات السياق تشير الناشطة الحلبية إلى الدور المهم الذي تلعبه الإناث في مواقع النازحين للكشف عن هذه الحالات، إذ تزداد فرص إقرار الفتاة باغتصابها لفتاة مثلها، على حد قولها.

نساء في جبهات القتال

وصلت أعداد ضحايا الثورة السورية الإناث إلى 1795 امرأة و800 طفلة، إضافة إلى 440 مغيبات في المعتقلات والسجون، وفقاً لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وذلك رغم ندرة النساء المقاتلات عسكرياً. وفي حوار لها مع DWعربية عبر الإسكايب، توضح المهندسة ثويبة كنفاني، أولى النساء المنضمات للجيش الحر:" ليس هناك حاليا مقاتلات أبداً، ولكن العديد من نساء سوريا تساعدن في العمليات الاستخباراتية واللوجستية كاستدراج الشبيحة إلى كمائن الجيش الحر والتنسيق لجلب السلاح. كما يرافق الجيش الحر عدداً لا بأس به من الممرضات للعناية بجرحى الحرب".> أما عن كونها المرأة الأولى في الانضمام للجيش الحر، فتوضح كنفاني دوافعها بالقول:" منذ اندلاع الثورة تتبعت أخبارها وحاولت المساعدة عن بعد (من كندا)، لكن تأخر النصر والدعم الدولي دفعني للعودة إلى أرض الوطن والانخراط في السلك الميداني إلى جانب الجيش الحر". ورغم ذلك تنفي كنفاني حملها للسلاح، خاصة وأنها مناهضة للعنف، فتقول:" أنا ضد السلاح، ولكن للأسف الحل الوحيد الظاهر هو التسليح دفاعاً عن النفس، فالأسد لا يتوقف ولا حتى ليوم واحد عن القتل وباءت كل المحاولات السلميه بالفشل. ولذا فأنا أشارك بالتخطيط والتنسيق والمسح الميداني إلى جانب الجيش الحر". وعن شعورها كأول النساء في الانضمام لصفوف الجيش الحر ومرافقة المقاتلين الرجال في ميادين الحرب، أثنت الكنفاني على ترحيب الرجال بخطوتها والمسارعة إلى حمايتها ودعمها حال احتدام الأمر. وعن الأسباب التي تمنع كثيرات من نساء سوريا من الانخراط في الجيش، تقول:" ليس من السهل مزاولة العمل العسكري بدون تدريبات مكثفة، ونساؤنا عاده ليس لديهن خبرات قتاليه. أنا تعلمت في أيام الصبا استعمال السلاح الخفيف وصيانته كالكلاشينكوف والمسدس والنيتو و إم 16. أما بالنسبة لتقبل المجتمع للفكرة، فيرحب الشباب السوري بالفكرة جداً، ولكن للأسف ليس هناك إمكانيات في الوقت الحاضر لتدريب النساء". وتختتم كنفاني حديثها مع DW مذكرة بالدور النسوي الهام في سوريا، سواء على صعيد الحراك السلمي أو العسكري، مؤكدة بأنه لولا نساء سوريا ما حقق الثوار ما حققوه حتى الساعة.